آخر وهذا قول سعيد بن جبير أو بتأويل ولا تنقص من عمر ذلك الشخص و «معمر» اسم مفعول ـ شدد للمبالغة ـ وهو الذي أبقاه الله أو أطال عمره يقال : فلان أعمر من نسر ـ صيغة ـ أفعل ـ أي أطول عمرا منه وهو العيش زمنا طويلا وتزعم العرب أن النسر يعيش خمسمائة سنة .. فضربوا المثل به. وتأتي الصيغة بصيغة اسم فاعل فيقال : هذا رجل معمر ـ بكسر الميم المشددة وهو اسم فاعل للفعل «عمر» أي عاش زمنا طويلا .. ومثله في المعنى القول : عمره الله ـ يعمره ـ تعميرا : أي أطال عمره أو طول عمره. أما الفعل الثلاثي «عمر» فيأتي لازما نحو : عمر الرجل ـ يعمر ـ عمرا ـ بضم عين المصدر وفتحها ـ بمعنى : عاش زمنا طويلا وهو من باب «فهم». و «العمر» بفتح العين يستعمل في القسم فقط نحو : لعمر الله .. وعمر : مبتدأ خبره محذوف تقديره : قسمي أو ما أقسم به. وقيل : لا يطول عمر إنسان ولا يقصر إلا في كتاب وصورته أن يكتب في اللوح إن حج فلان أو غزا فعمره : أربعون سنة وإن حج وغزا فعمره : ستون سنة فإذا جمع بينهما فبلغ الستين فقد عمر .. وإذا أفرد أحدهما فلم يتجاوز به الأربعون فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون. وقد استفاض على الألسنة قولهم : أطال الله بقاءك وفسح في مدتك وما أشبه ذلك. وعن قتادة ب رضي الله عنه ـ : المعمر من بلغ ستين سنة والمنقوص من عمره : من يموت قبل ستين سنة ولتأكيد القول بأن عمر الإنسان مكتوب في اللوح المحفوظ هو الآية الكريمة المذكورة آنفا.
** (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية عشرة. وضرب فيه سبحانه البحرين العذب والملح مثلين للمؤمن والكافر أو بمعنى لا يتساوى الإسلام والكفر وفي القول الكريم تشبيه واضح وهو أحد ضروب البلاغة العربية قال الشاعر :
فساغ لي الشراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغص بالماء الفرات |
وقيل : إن صحة روايته ورود آخر البيت بالماء الحميم بدلا من «الفرات» والفرات : هو الشديد العذوبة بمعنى : يكسر العطش لأنه عذب وحلو سهل الإنحدار في الحلق و «سائغ» بمعنى : يسهل انحداره وعلى العكس منه «ملح أجاج» أي ماء مشبه بالملح يحرق بملوحته .. ومعنى قول الشاعر : أنه بعد أن أدرك ثأره ونال في عدوه ما كان يشتهي طاب له الشراب وقد كان قبل أن يصل إلى هذه الحقيقة أو الأمنية إذا أراد أن يشرب الماء لم يستطع أن يسيغه : أي لا يحس بحلاوته وحلاوة مذاقه وطيب شربه وسهولة مروره في حلقه. أما الفعل «أغص» فهو من الغصص : وهو وقوف الطعام واعتراضه في الحلق.
** (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) : أي ومن كل واحد من البحرين تأكلون لحما طريا أي السمك سمي طريا لأنه سريع الفساد .. وتستخرجون حلية أي لؤلؤا ومرجانا من البحر الملح .. وبعد حذف المضاف إليه اختصارا «واحد» نون آخر المضاف «كل».
** (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) : المعنى لتطلبوا من فضل الله بالتجارة وإن لم يجر له سبحانه ذكر في الآية الكريمة لدلالة المعنى عليه ـ جلت قدرته ـ وحرف الرجاء «لعل» مستعار هنا لمعنى الإرادة وسلك به سبحانه مسلك لام التعليل فجاء على تقدير لتبتغوا ولتشكروا وحذف مفعول «تشكرون» وهو «نعمته وعطاءه».