الفعل «علم» بمعنى «اليقين» تعدى إلى مفعولين وإذا كان بمعنى المعرفة تعدى إلى مفعول واحد وقد يضمن معنى «شعر» فتدخل الباء .. فيقال : علمته وعلمت به وأعلمته الخبر وأعلمته به وقالت العرب في أمثالها : العلم في الصدور لا في السطور وجاء اسم الفاعل «عالم» غير منون لأنه أضيف إلى مفعوله فلو كان منونا لانتصبت كلمة «غيب» على المفعولية أي مفعولا به لاسم الفاعل. وبما أن اسم الفاعل غير منون فهو يعني أن العلم يكون للماضي والمستقبل والحال .. ومثله : هذا الرجل حاج بيت الله بإضافة «حاج» إلى البيت أي عدم تنوينها أي تنوين اسم الفاعل «حاج» معناه : أنه قد حج لأنه فعل ماض أما القول : حاج بيت الله .. أي بتنوين «حاج» ونصب البيت مفعولا به لاسم الفاعل فمعناه لم يحج بعد لأن الفعل يدل على المستقبل ومن أدب المجالس يحكى أن الكسائي ـ وهو أبو الحسن علي بن حمزة ـ وأحد النحاة الكوفيين عهد إليه هارون الرشيد بتأديب ولديه : الأمين والمأمون ضمه مجلس في حضرة هارون الرشيد مع الفقيه القاضي أبي يوسف ـ وهو يعقوب بن إبراهيم الكوفي ـ وكان يدعى قاضي القضاة وتولى القضاء في بغداد في عهد الخلفاء : المهدي .. الهادي .. والرشيد. فسأل الكسائي أبا يوسف ما تقوله في رجل قال لرجل : أنا قاتل غلامك ـ بتنوين ـ قاتل ـ وقال آخر : أنا قاتل غلامك ـ بإضافة قاتل إلى الغلام ـ أيهما كنت تأخذ به؟ قال : آخذ بهما جميعا. فقال هارون : أخطأت ـ وكان له علم بالعربية ـ فاستحيى أبو يوسف وقال : كيف ذلك؟ فقال هارون : الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال : أنا قاتل غلامك ـ بالإضافة ـ لأنه فعل ماض. فأما الذي قال : أنا قاتل غلامك ـ من غير إضافة ـ فإنه لا يؤخذ لأنه مستقبل لم يكن بعد.
** (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة والثلاثين .. التقدير : فعليه جزاء كفره فحذف المضاف المبتدأ المؤخر «جزاء» وأقيم المضاف إليه «كفره» مقامه وارتفع ارتفاعه أو بمعنى فعليه وبال أو ضرر كفره. وقوله «هو الذي» معناه : هو الله تعالى الذي جعلكم خلفاء في الأرض .. يقال : خلفت فلانا على أهله وماله خلافة .. من باب «كتب» بمعنى : صرت خليفته .. واستخلفته : أي جعلته خليفة .. قال الفيومي : فخليفة يكون بمعنى فاعل وبمعنى مفعول .. وأما الخليفة بمعنى : السلطان الأعظم فيجوز أن يكون فاعلا لأنه خلف من قبله أي جاء بعده ويجوز أن يكون مفعولا لأن الله تعالى جعله خليفة أو لأنه جاء بعد غيره كما في الآية الكريمة المذكورة آنفا. قال بعضهم : ولا يقال : خليفة الله بالإضافة إلا لآدم وداود لورود النص بذلك وقيل : يجوز وهو القياس لأنه تعالى جعله خليفة كما جعله سلطانا وقد سمع : سلطان الله وجنود الله وحزب الله وخيل الله والإضافة تكون بأدنى ملابسة وعدم السماع لا يقتضي عدم الاطراد مع وجود القياس ولأنه نكرة تدخله الألف واللام للتعريف فيدخله ما يعاقبها وهو الإضافة كسائر أسماء الأجناس. والخليفة : أصله : خليف بغير هاء لأنه ـ فعيل بمعنى فاعل ـ والهاء للمبالغة مثل «علامة» ويكون وصفا للرجل خاصة ومنهم من يجمعه باعتبار الأصل فيقول الخلفاء مثل شريف وشرفاء وهذا الجمع مذكر فيقال ثلاثة خلفاء ومنهم من يجمع باعتبار اللفظ فيقول الخلائف ويجوز تذكير العدد وتأنيثه في هذا الجمع فيقال : ثلاثة خلائف وثلاث خلائف وهما لغتان فصيحتان وقال الجوهري : والخليفة : السلطان الأعظم وقد يؤنث وجمعه : خلائف مثل كريمة ـ كرائم وقالوا أيضا : خلفاء من