** (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة عشرة .. وقد علل سبحانه في قوله (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) استواء الصبر وعدمه لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة بأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير فأما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة فلا مزية له على الجزع.
** (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة .. المعنى : يقال لهم : كلوا واشربوا .. أي أكلا وشربا هنيئا أو طعاما وشرابا هنيئا : أي الذي لا تنغيص فيه بمعنى : سائغا. بمعنى : هنأكم الأكل والشرب أو هنأكم ما كنتم تعملون : أي جزاء ما كنتم تعملون أو تكون كلمة هنيئا قائمة مقام المصدر أو صفة لمصدر محذوف والباء مزيدة ـ حرف جر زائد ـ و «ما» اسم موصول في محل جر لفظا وفي محل رفع محلا على أنه فاعل «هنيئا» التقدير : هنأكم ما كنتم تعملون. قال الشاعر :
كل هنيئا وما شربت مريئا |
|
ثم قم صاغرا وأنت ذميم |
لا أحب الصديق يومض بالعين |
|
إذا ما خلا بعرسي النديم |
الشاعر هو أبو العطاء السندي قال هذين البيتين من الشعر لصديقه وقد رآه يومئ لزوجته.
** (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية والعشرين المعنى : وما نقصناهم بهذا الإلحاق شيئا من ثواب عملهم كل إنسان بما كسبه مرهون. يقال : مرؤ الرجل فهو مريء ـ مثل قرب فهو قريب ـ أي هو ذو مروءة .. والمروءة : هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات. وقيل : تاج المروءة : التواضع. وقال الجوهري وقد تشدد كلمة «المروءة» فيقال : المروة .. وقيل : أحسن الناس مروءة وأدبا من إذا احتاج نأى وإذا احتيج إليه دنا. و «نأى» بمعنى : بعد. و «المرء» هو الرجل فإن جردت اللفظة من «أل» التعريف قيل : امرؤ .. ومثناه : امرآن .. ويجمع على «رجال» من غير لفظه. وقيل : عز المرء استغناؤه عن الناس. وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» وعن «المرء» قيل الكثير من الأمثال العربية ووردت اللفظة في شعر الشعراء قال شاعر :
بشاشة وجه المرء خير من القرى |
|
فكيف إذا جاء القرى وهو ضاحك |
وحكي عن عبد الملك بن مروان أنه كان يحب النظر إلى كثير عزة .. فلما ورد عليه إذا هو حقير قصير تزدريه العين .. فقال عبد الملك : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه .. وفي رواية : أن تسمع بالمعيدي .. وهو مصدر مؤول من «أن» والفعل فيسبك من أن المصدرية والجملة بتقدير : سماعك .. فقال : مهلا أمير المؤمنين! فإنما المرء بأصغريه : قلبه ولسانه .. إن نطق نطق ببيان وإن قاتل قاتل بجنان. وأنا الذي أقول :
وجربت الأمور وجربتني |
|
وقد أبدت عريكتي الأمور |
ترى الرجل النحيف فتزدريه |
|
وفي أثوابه أسد زئير |
وما عظم الرجال لهم بزين |
|
ولكن زينها كرم وخير |