يجري في ذهن المكلف لتوجيه الرّأي والايمان والمعتقدات والأحكام ؛ أو إلى ما يفيد مباشرة العمل بإنفاذه على جوارح المرء وبأهليّته الفردية أو الجماعية المجتمعية. لهذا لا يوجد في القرآن الكريم ما لا يعقل المكلف ألفاظه أو لا يفهم معانيه. فعقل الألفاظ وما يحتاجه هذا التعقّل الشرعي من مطلوب خبري على مستوى اللغة والأثر والحديث هو التّفسير ؛ وهو بيان معاني ألفاظ القرآن وفهم معانيه واستخراج أحكامه وحكمه ؛ باستمداد ذلك من علم اللغة بما تدلّ عليه الألفاظ منها إلى معانيها ؛ وبمعرفة علم النّحو والتصريف وعلم البيان الذي يلزم المرء الباحث بأساليب العرب في المخاطبة والتعلّم والإفهام ، وعلم القراءات وما تحمله من دلالات السّياق في التعبير عن المراد ، وما إلى ذلك مما يعرف بالعلوم الشرعية وما يخدمها من علوم الآلة والعربيّة.
أمّا التّأويل ؛ فهو معرفة دلالة الخطاب على الواقع باعتباره نصّا مسموعا يخبر عن قصد مراد الشارع من المكلّف ، وبوصفه كلّا متماسكا ووحدة واحدة غير مجزّأة تفيد المستمع بإنشاء الفكر عن الواقع وتكوين معنى يعبر به عنه وتبعث فيه إلى طلب ما يلزمه العمل.
ولم يكن عند سلف الأمة تفريق بين التفسير والتأويل في القصد المراد ، لأنّ كليهما يلزم الآخر ، ولم يكن عندهم تفريق بين الفكر والعمل من حيث أن الفكر للعمل وليس بينهما مفاصلة إلا الصّدق في المباشرة. وليس الحال كما فرّق المتأخرون. فالتأويل عند السلف هو إفادة المستمع أو من في حكمه بإنشاء الفكر في ذهنه وتقصّد العمل به ؛ فالتفسير بيان المعنى في الخطاب ، والتأويل بيان العمل وتوجيه دلالة الخطاب إليه ؛ وأحدهما يقتضي الآخر.
لهذا كان التفسير هو بيان المعنى بحسب مقتضى اللغة ودلالة اللسان بمعهود العرب حين إدراكهم للخطاب ووعيهم به ، أي بما تدركه العرب وتفهمه على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والتأويل ؛ هو بيان هذا المعنى على وجه يفيد العمل بمقتضى هذا المعهود من لسان العرب ومعهودهم وبمقتضى ما جاء من السّنّة المطهرة في بيانه. لهذا