الإنسان. فالوقوف على هذا الموضوع وقوفا صحيحا لا يمكن أن يكون إلا عن طريق الرسول الذي جاء به ، لا سيما وقد بيّن الله تعالى أن القرآن أنزل على الرسول ليبيّنه للناس ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(١). وطريق الرسول هي سنّته ، أي ما روي عنه رواية صحيحة من أقوال وأفعال وتقارير.
ومن هنا كان من المحتّم أن يجري الإطلاع على سنّة الرسول قبل البدء بتفسير القرآن وعند تفسيره ، إذ لا يمكن فهم موضوع القرآن إلا بالإطلاع على سنّة الرسول صلىاللهعليهوسلم. إلّا أنّ هذا الإطّلاع يجب أن يكون إطّلاع وعي لمتن السّنّة الصّحيحة ، أي يجب أن يكون إطّلاع تدبّر لأفكارها باعتبارها مفاهيم ، لا اطّلاع حفظ لألفاظها ، أي لا يضير المفسّر أن لا يهتمّ بحفظ الألفاظ أو معرفة السّند والرواة ما دام واثقا من صحّة الحديث من مجرّد تخريج الحديث ، بل المحتّم عليه إدراك مدلولات الحديث. لأن التفسير متعلّق بمدلولات السّنة لا بألفاظها وسندها ورواتها. وعليه يجب توفر الوعي على السّنة حتى يتأتّى تفسير القرآن.
ومن هنا يتبيّن أنه لا بد لتفسير القرآن أوّلا وقبل كل شيء من (دراسة واقع القرآن تفصيليّا ، ودراسة ما ينطبق عليه هذا الواقع من حيث الألفاظ والمعاني) ، ثمّ ثانيا : إدراك موضوع بحثه. ويجب أن يعلم أنه لا يكفي الإدراك الإجمالي بل لا بد من الإدراك التفصيليّ للكليات والجزئيات ولو بشكل إجمالي. ولأجل تصوّر هذا الإدراك التفصيليّ نعرض لمحة أو إشارة عن كيفية هذا الإدراك التفصيلي لواقع القرآن من حيث مفرداته وتراكيبه وتصرفه في المفردات والتراكيب ، ومن حيث الأدب العالي في الخطاب والحديث من الناحية العربية ، من حيث لغة العرب ومعهودهم في كلامهم.
أما واقع القرآن من حيث مفرداته فإنا نشاهد فيه مفردات ينطبق عليها المعنى اللغويّ حقيقة ، والمعنى اللغوي مجازا. وقد يبقى استعمال المعنى اللغويّ والمجازي معا ، ويعرف المعنى المراد بالقرينة في كلّ تركيب. وقد يتناسى المعنى اللغوي ويبقى المعنى المجازي ، فيصبح هو المقصود ، لا المعنى اللغوي. ونشاهد فيه مفردات ينطبق عليها المعنى
__________________
(١) النحل / ٤٤.