هذا ملخّص كلام الجصّاص.
ولكنّ المعروف في مذهب الشافعي أنّ العبد إذا حجّ لم تجزئه حجته عن حجة الإسلام إذا عتق.
ولعلّ خلاف الشافعي فيمن أحرم بالحج ، ثم عتق وهو واقف بعرفة ، أو قبل الوقوف بها فإن حجه يجزئه عن حجة الإسلام ، خلافا لأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما. أما إذا كان العتق بعد فوات الحج ، فإنه لا يجزئه ، قال النووي من الشافعية : وهذا لا خلاف فيه عندنا ، وبه قال العلماء كافة.
ثم إنّ الحج لا يجب إلا مرة واحدة ، لأنّه ليس في الآية ما يوجب التكرار ، وقد روي عن ابن عباس أنّ الأقرع بن حابس سأل النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله الحجّ في كل سنة أو مرة واحدة فقال : «بل مرّة ، فمن زاد فتطوع» (١).
(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) قيل : إنّ هذا الكلام مستقلّ بنفسه ، وهو وعيد عام لكلّ من كفر بالله ، ولا تعلّق له بما قبله.
وقيل : إنه متعلّق بما قبله ، ومن القائلين بهذا من حمله على تارك الحجّ ، ومنهم من حمله على من لم يعتقد وجوبه.
فأما الذين حملوه على تارك الحج فقد عوّلوا على ظاهر الآية ، حيث أوجب الله الحجّ ، ثم أتبعه بقوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ففهم منه أنّ هذا الكفر هو ترك ما تقدم ، واستندوا إلى ما ورد من قوله عليه الصلاة والسّلام : «من استطاع ومات ولم يحجّ فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا».
وعن سعيد بن جبير : لو مات جار لي وله ميسرة ، ولم يحجّ لم أصلّ عليه.
وتأويل هذه الأخبار عند الجمهور أنّ الغرض منها التنفير من ترك الحجّ ، والتغليظ على المستطعين ، حتى يؤدّوا الفريضة ، فهو نظير قوله عليه الصلاة والسلام : «من أتى امرأة حائضا في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد».
واستدلّ الأكثرون لمذهبهم بما روي عن الضحاك في سبب النزول قال : لما نزلت آية الحجّ ، جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل الملل مشركي العرب والنصارى واليهود والمجوس والصابئين وقال : «إنّ الله كتب عليكم الحجّ فحجوا البيت» فلم يقبله إلّا المسلمون ، وكفرت به خمس ملل قالوا : لا نؤمن به ولا نصلي
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٢ / ٦٨) ، كتاب المناسك ، باب فرض الحج حديث رقم (١٧٢١) ، وابن ماجه في السنن (٢ / ٩٦٣) ، كتاب المناسك باب الخروج حديث رقم (٢٨٨٦).