من سورة المزمل
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤))
قال الحسن وعكرمة وعطاء وجابر : إنّ هذه السورة مكية كلّها. وحكى الأصبهاني أنّها مكية ما عدا الآيتين : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ). وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وهناك قول ثالث : أنها مكية ما عدا قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ ..).
وقد اعترض السيوطي في «الإتقان» على الأخير بأنه يرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أنّ قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلخ قد نزل بعد نزول صدر السورة بسنة ، لما كان قيام الليل فرضا في أول الإسلام قبل أن تفرض الصلوات الخمس. يعني : وإذا كانت الصلوات الخمس قد شرعت في مكة قبل الهجرة بسنة ، وقد تمّ بفرضيتها نسخ ما كان قبلها من فرض القيام ، ظهر أنّ آخر المزمل من المكي.
ولعلك تختار القول الأول لما أورده السيوطي على الأخير ، ولأنّ أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بالصبر على أذى الكفار ، والإعراض عنهم ، وهجرهم ، إنما كان في أول الإسلام ، قبل أن يكثر أنصار الدعوة الإسلامية ، وقبل أن يأذن الله تعالى للمؤمنين المظلومين أن يدفعوا عن أنفسهم بالقوة. على ما يدل عليه الاستقراء ، وتتبع موارد الآيات القرآنية التي تأمر بمثل ما ورد في آيتي (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) والتي بعدها.
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)) المزّمل بتشديد الزاي والميم : اسم فاعل من تزمّل ، وأصله المتزمل ، فأدغمت التاء والزاي ، ومعناه : المتلفف في ثيابه ، ومنه قول ذي الرّمة :
وكائن تخطت ناقتي من مفازة |
|
ومن نائم عن ليلها متزمل |
وقرأه أبيّ على الأصل. كما قرئ بتخفيف الزاي ، على أنه اسم فاعل أو اسم مفعول.
وقد اختلف المفسرون في سبب تزمّله عليه الصلاة والسلام ، فقيل : إنه كان نائما بالليل متزمّلا في قطيفة ، أو أنه يريد فتلفّف بالقطيفة ، فجاءه الملك بنداء الله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)) إلخ ليدع النوم ، ويقوم لما هو أهم ، وينهض لعبادة الله في