فيها تعظيم الكواكب ، ويزعمون أنهم بهذه الرقى يفعلون ما يشاؤون في غيرهم من غير مماسّة ولا ملامسة ، وكانت السحرة تحتال بحيل تموّه على العامة إلى اعتقاد صحته ، ومعتقد ذلك يكفر من وجوه :
أحدها : التصديق بوجوب تعظيم الكواكب وتسميتها آلهة.
ثانيها : الاعتقاد بأن الكواكب تقدر على الضرر والنفع.
ثالثها : أن السحرة تزعم أنها تقدر على معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فبعث الله ملكين يبيّنان للناس حقيقة ما يدّعون بطلانه ، ويكشفان لهم عن وجوه الحيل التي يخدعون بها الناس ، وينهيانهم عن العمل بها ، يقولان (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) فكانا يعلّمانهم للتحرّز لا للعمل ، وما في ذلك بأس ، قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : فلان لا يعرف الشر ، قال : أجدر أن يقع فيه ، وقد قيل :
عرفت الشرّ لا للشرّ |
|
لكن لتوقّيه |
ومن لا يعرف الش |
|
رّ من النّاس يقع فيه |
ثم قال : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) وهذا ذم لمن يتعلم ليضرّ به ، لا ليتوقى به ، والتفريق بين المرء وزوجه بالسعاية والنميمة والوجوه الخفية التي من جنس ما ذكر في الحكاية المتقدمة.
وقد روي عن الحسن (١) أنه كان يقرأ : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) بكسر اللام ، ويقول : كانا علجين أقلفين ، يأمران بالسحر ويتمسكان به ، وقيل : إن (ما) للجحد والمعنى : ولم ينزل على الملكين ببابل. وقيل : إنّ «ما أنزل» عطف على ملك سليمان ، والمعنى : واتّبعوا ما تكذب به الشياطين على ملك سليمان ، وما أنزل على الملكين ، فكما كذبوا على ملك سليمان كذبوا أيضا على ما أنزل على الملكين ، لا أنهما أنزلا ليعلّمان الناس السحر ، ويكون قوله : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) أي من السحر والكفر ، لأن قوله : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) يتضمن الكفر ، فيرجع إليهما.
قوله : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١)) [الأعلى : ١٠ ، ١١] أي الذكرى. (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ). معناه أن الملكين لا يعلمان ذلك أحدا ، ومع ذلك لا يقتصران على ألا يعلماه حتى يبالغا في نهيه ، فيقولان : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) وكل هذا للفرار من أنّ الله أنزل على الملكين السحر مع ذمه السحر والساحر ، وقد علمت أنه أنزل عليهما ليعلم الناس حيل السحرة وخدعهم.
__________________
(١) الحسن بن يسار البصري ، سيد التابعين ، ولد في المدينة كان إماما توفي سنة (١١٠ ه) انظر الأعلام للزركلي (٢ / ٢٢٦).