عماد الدين ، فأمرت بها مستقلا ، ولم تقتصر على طلبها في عموم العبادات ، ولا شكّ أن ذلك يدلّ على تأكّدها وفرضيتها على الناس جميعا.
غير أن الشافعية قالوا : إنّ الآية آية سجدة ، وأخذوا من الأمر بالسجود فيها سجود التلاوة مطلوب لها كغيرها من بقية آيات السجود ، مستندين في هذا إلى ما يأتي :
١ ـ إنّ السجود حقيقة في المعنى المعروف : وهو وضع الجبهة على الأرض ، فمتى أمكن حمل اللفظ عليه فلا يصح العدول عنه إلا لموجب ، وهو غير موجود في الآية.
٢ ـ وقالوا : أيضا : قد ورد في السنة ما يؤيّد هذا المعنى ، ويكشف عن المراد بالسجود في الآية ، فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن مردويه والبيهقي في «سننه» عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال : «نعم فمن لم يسجدهما ، فلا يقرأهما» (١).
وأخرج أبو داود وابن ماجه والدار قطني والحاكم عن عمرو بن العاص أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن ، منها ثلاث في المفصّل ، وفي الحج سجدتان (٢).
وكان يقول بهذا علي ، وعمر ، وابنه عبد الله ، وعثمان ، وأبو الدرداء ، وابن عباس في إحدى الروايتين عنه ، وبه أخذ أيضا الإمام أحمد ، واللّيث وابن وهب ، وابن حبيب من المالكية رضي الله عنهم جميعا.
وقال أبو حنيفة (٣) ، ومالك ، والحسن ، وابن المسيب ، وابن جبير ، وسفيان الثوري رضي الله عنهم : إنّ هذه الآية ليست آية سجدة ، واستدلوا بما يأتي :
١ ـ إنّ اقتران السجود بالركوع دليل أنّ المراد به سجود الصلاة ، كما في قوله تعالى : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران : ٤٣] فإذا لم يكن هذا الاقتران موجبا لحمل السجود على سجود الصلاة ، وأنه عبر عن الصلاة بمجموع الأمرين ، فلا أقلّ من أن يكون مرجحا ، لذلك فلا يصح أن يؤخذ من الآية أنّ السجود فيها سجود التلاوة.
٢ ـ ما روي عن أبي رضي الله عنه أنه عدّ السجدات التي سمعها من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعدّ في الحج سجدة واحدة (٤).
__________________
(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٢ / ٤٧٠) ، كتاب الصلاة ، باب السجدة حديث رقم (٥٧٨) ، وأبو داود في السنن (١ / ٥٢١) ، كتاب الصلاة حديث رقم (١٤٠٢) ، وأحمد في المسند (٤ / ١٥١).
(٢) رواه أبو داود في السنن (١ / ٥٢١) ، كتاب الصلاة ، باب تفريع أبواب السجود حديث رقم (٤٠١) ، وابن ماجه في السنن (١ / ٣٣٥) ، ٥ ـ كتاب إقامة الصلاة ، ٧٠ ـ باب عدد سجدات القرآن حديث رقم (١٠٥٧).
(٣) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١ ـ ٢ / ٨٥).
(٤) رواه الإمام أحمد في المسند (٤ / ٣٠٥).