ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤))
رتب الله الكفارة على الظهار الذي يعقبه العود ، وقد اختلف أهل التأويل في العود ما هو؟
فحكى عن مجاهد أنّ الظهار في الإسلام عود إلى ما كان عليه أهل الجاهلية ، ومعنى الآية عنده : والذين كان من عادتهم أن يظاهروا من نسائهم ، فقطعوا ذلك بالإسلام ، ثم يعودون لمثله ، فعلى من عاد منهم تحرير رقبة من قبل أن يتماسا .. إلخ فالكفارة تجب بنفس الظهار في الإسلام. وقد روي مثل ذلك عن طاوس والثوري وعثمان البتّي.
وقال أبو العالية وأهل الظاهر : العود تكرار لفظ الظهار وإعادته ، فلا تلزم الكفارة إلا إذا أعاد لفظ الظهار.
واختلفت الروايات عن الأئمة الأربعة ، فأصحّ الروايات عن أبي حنيفة أنّ العود هو العزم على الوطء.
وروى ابن الجلّاب عن مالك روايتين : أولاهما : أنه العزم على الوطء. وثانيتهما : أنه العزم على الإمساك. وابن العربي ينقل عن «الموطأ» أنه العزم عليهما معا.
وقال الإمام أحمد في قوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) قال : هو الغشيان إذا أراد أن يغشى كفّر. اه.
وقال الشافعي : الذي عقلت مما سمعت في (يَعُودُونَ لِما قالُوا) أنّ المظاهر حرم مس امرأته بالظهار ، فإذا أتت على المظاهر مدة بعد القول بالظهار ولم يحرّمها بالطلاق الذي يحرّم به ، ولا شيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به ، فقد وجب عليه كفارة الظهار ، كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك ما حرّم على نفسه عاد لما قال فخالفه ، فأحل ما حرّم ، ولا أعلم له معنى أولى به من هذا.
فأمّا مجاهد ومن يرى رأيه ، فلم يخف عليهم أنّ العود شرط في الكفارة ، ولكنّ العود عندهم هو العود إلى ما كان عليه أهل الجاهلية من المظاهرة من الزوجات ، وهكذا استعملوا العود في معناه الحقيقي ، كما قال الله تعالى في جزاء الصيد : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] أي ومن عاد للاصطياد بعد نزول تحريمه ، وكما قال تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٨] أي وإن عدتم إلى الذنب عدنا إلى العقوبة ، وقد أخبر الله عن الظهار أنه منكر وزور ، فهو معصية منهيّ عنه ، والعود إلى المنهي عنه فعله بعد النهي عنه.