(ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أنّهم يكررون ما قالوا ، إلّا أنّه منع من هذا الظاهر أن التكرار لم ينقل في قصة خولة وزوجها أوس ، ولا في قصة سلمة بن صخر ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يسأل أوسا ولا سلمة عنه.
وقد قال أهل اللغة إذا قال قائل : (عاد لما فعل) جاز أن يريد أنه فعله مرة أخرى ، وهذا ظاهر. وجاز أن يريد أنه نقض ما فعل وتداركه. لأنّ التصرف في الشيء بنقضه وتداركه لا يمكن إلا بالعود إليه ، فلما منع من إجراء اللفظ على ظاهره ما تقدم ، وجب المصير إلى المعنى الثاني وهو النقض والتدارك.
إلا أنّ الأئمة مختلفون في العمل الذي ينقضه المظاهر ويتداركه ، فيرى غير الشافعي أنّ الظهار يوجب تحريما للزوجة لا يرفعه إلا الكفارة ، فالذي يريد المظاهر نقضه وتداركه هو تحريمها عليه ، ونقض ذلك التحريم وتداركه إنما يكون بوطئها ، أو بالعزم على وطئها ، أو باستباحة وطئها ، على خلاف بينهم تقدم بيانه.
ويرى الشافعي أنّ كلمة الظهار فيها تشبيه الزوجة بالأم ، وهذا التشبيه يقتضي فراقها ، فالذي يريد المظاهر نقضه والرجوع عنه هو فراقها ، فإن مضت مدة تتسع للفراق الشرعي ؛ ولم يفارق صار ناقضا لمقتضى ما قال ؛ راجعا عنه. وإن اتصل بلفظ الظهار فرقة فليس بعائد.
واعترض القول بأن العود هو الوطء بأنّ الآية ناصّة على وجوب الكفارة قبل الوطء ، فيكون العود سابقا عليه ، فكيف يكون هو الوطء؟
وأجاب بعض من يرى هذا الرأي بأنّ المراد من قوله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) من قبل أن يباح التماس شرعا ، والوطء أولا حرام ، موجب للتكفير ، وهذا الجواب خروج باللفظ عن مقتضى ظاهره ، من غير أن يقوم عليه دليل سوى التزام هذا المذهب.
وأجاب آخرون : بأنّ قوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) معناه ثم يريدون العود ، كما قال تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [النحل : ٩٨] وكما قال : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] ونظائره مما يطلق الفعل فيه على إرادته لوقوعه بها ، وهذا معنى قول الإمام أحمد وقد تقدّم : إذا أراد أن يغشى كفّر.
واعترض القول بأنّ العود هو العزم على الوطء بأنّ الآية لما نزلت ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم المظاهر بالكفارة ، لم يسأله هل عزم على الوطء؟ والأصل عدم ذلك ، والوقائع القولية كهذه يعمّها الاحتمال ، فتكون الكفارة واجبة ، سواء أعزم على الوطء أم لم يعزم.
والجواب أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ترك السؤال عن ذلك ، لعلمه به من خولة ، فقد أخرج