(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤))
قوله (١)(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) مفردا و «عشيراتكم» جمعا (٢) ، أي قومكم الذين بمكة (وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها) أي اكتسبتموها بمكة (وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ) أي تخافون (كَسادَها) أي عدم نفاقها فتبقى عليكم (وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها) أي منازلكم الحسنة العالية تعجبكم الإقامة فيها (أَحَبَّ) خبر «كان» ، أي إن كان هذه الأشياء التي اعتمدتم على أحب (إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) أي من الهجرة إلى الله (وَرَسُولِهِ) بالمدينة (وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) أي إلى غزو في طاعة الله (فَتَرَبَّصُوا) أي فانتظروا (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) وهو فتح مكة أو الموت ، ثم البعث أو قتال أقربائكم الذين تحبونهم (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [٢٤] أي الخارجين عن أمر الله ورسوله ، وهذا وعيد شديد لمن يختار لذات الدنيا على لذات الآخرة ، قيل قوله (وَإِنْ نَكَثُوا) إلى ههنا نزل قبل فتح مكة في المدينة (٣).
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥))
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) أي في مواقف الحرب ومقاماتها تنبيها لهم على أن الناصر لهم هو الله لا كثرتهم وقوتهم ، ودفعا لإعاجبهم بكثرتهم وشجاعتهم ، والمواطن الكثيرة وقعات بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة ، قوله (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) عطف على (مَواطِنَ) بتقدير موطن قبل الظرف ، أي في موطن يوم حنين أو اذكر يوم حنين ، فيكون عطف جملة على جملة ، وهو الأوجه لكون «إذ» في (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) بدلا من (يَوْمَ حُنَيْنٍ) ، فلو عطف على (مَواطِنَ) لعمل فيه (نَصَرَكُمُ) ، فيكون المعنى : أن كثرتكم أعجبتكم في مواطن كثيرة وفي يوم حنين ، والحال أن كثرتكم (٤) لم تكن (٥) إلا يوم حنين ، وفيه أعجبتكم (٦) ، لأن النبي عليهالسلام بعد فتح مكة خرج إلى غزو حنين ، وهو واد بين مكة والطائف في اثني عشر ألفا ، عشرة آلاف هم الخارجون معه من المدينة إلى فتح مكة ، وألفان من أهل مكة لحرب هوازن ، عليهم مالك بن عوف أمير ، وهم أربعة آلاف ، وكان فتح مكة في شهر رمضان ، وخروجه إلى حنين في شوال فبعث رسول الله إليهم عينا ، فأتى حنينا فسمع من أمير القوم يقول لأصحابه : أنتم اليوم أربعة آلاف ، فاذا لقيتم العدو فاحملوا عليهم حملة رجل واحد ، واكسروا جفون سيوفهم عليهم فو الله لا تضربون بأربعة آلاف سيف شيئا إلا أفرج لكم ، فأقبل العين إلى النبي عليهالسلام فأخبره بمقالة أميرهم ، فقال رجل من المسلمين : فو الله يا نبي الله لن نغلب اليوم عن قلة ، فأوصل العين بعسكر النبي عليهالسلام فساء رسول الله كلمته ، لأنها كلمة الإعجاب بالكثرة ، وزل عنه ، إن الله هو الناصر لا الكثرة ، فلما التقى الجمعان واقتتلوا قتالا شديدا انهزم المسلمون ولم يبق مع النبي عليهالسلام سوى العباس وأبي سفيان ، وأول من انهزم من الناس أهل مكة ، وثبت رسول الله على بغلته البيضاء والتفت عن يمينه وعن يساره يقول : يا أنصار الله وأنصار رسوله! أنا عبد الله ورسوله سائر اليوم ، ثم تقدم بحربته أمام الناس (٧).
روي : أنه كان يحمل على الكفار فيفرون ثم يحملون عليه فيقف لهم فعل ذلك بهم بضع عشرة مرة ، قال العباس : كنت أكف بغلته لئلا تسرع به نحو المشركين وأبو سفيان ابن عمه آخذ بركابه فقال النبي عليه
__________________
(١) قوله ، م : ـ ب س.
(٢) «عشيرتكم» : قرأ شعبة بألف بعد الراء علي الجمع ، والباقون بغير ألف على الإفراد. البدور الزاهرة ، ١٣٥.
(٣) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٤٠.
(٤) كثرتكم ، م : كثرتهم ، ب س.
(٥) لم تكن ، ب : لم يكن ، س م.
(٦) أعجبتكم ، م : أعجبتهم ، ب س.
(٧) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٤١.