السّلام : يا ابن عباس ناد أصحاب السمرة وكان صيتا فناداهم فخذا فخذا يا أصحاب السمرة! يا أصحاب سورة البقرة إلى إلى فعطفوا عليه عطفة (١) البقرة (٢) على أولادها ، يقولون لبيك لبيك فأمده الله بخمسة آلاف من الملائكة وعليهم البياض على خيول بلق فاقتتلوا ، فقال عليهالسلام الآن حمى الوطيس وهو التنور ، ثم رمى المشركون بحصيات ، فانهزموا وكان النبي عليهالسلام يركض خلفهم ببغلته ، وأخذ المسلمون أموالهم وهو الذي سمي يوم أوطاس (٣) ، فأخبر الله تعالى أن الغلبة ليست بكثرتكم ولكن بنصر الله وعونه بقوله (فَلَمْ تُغْنِ) كثرتكم (عَنْكُمْ) أي عن قضاء الله النازل بكم (شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ) من الرعب (بِما رَحُبَتْ) أي مع رحبها وهو سعة الأرض ، وهو الجار (٤) والمجرور في موضع الحال ، يعني ملتبسة برحبها ، والمعنى : أنكم لا تجدون موضعا تلتجئون إليه من شدة خوفكم (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ) أي رجعتم (مُدْبِرِينَ) [٢٥] أي منهزمين.
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦))
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) أي طمأنينتة وهي التي تسكن القلوب بها من رحمته (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ) من السماء (جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) يعني الملائكة ، قيل : كانوا ثمانية آلاف أو ستة عشر ألفا (٥)(وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم أهل هوازن بأيدي المؤمنين (وَذلِكَ) أي العذاب من القتل والأسر والسبي والنهب (جَزاءُ الْكافِرِينَ) [٢٦] بالله ورسوله في الدنيا والآخرة نار جهنم.
(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧))
(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي بعد قتلهم وسبيهم وهزمهم (عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ) لما سلف من الشرك والمعاصي (رَحِيمٌ) [٢٧] بالتوبة والإسلام.
قيل : «لما انهزم مالك بن عوف سار مع ثلاثة آلاف إلى منزله ، فندم من شركه فأرسل إلى النبي عليهالسلام أني أريد أن أسلم فما تعطيني؟ فقال عليهالسلام : إني أعطيك مائة من الإبل ورعاتها ، فجاء وأسلم فأقام يومين أو ثلاثة ، فلما رأى المسلمين وزهدهم واجتهادهم رق قلبه لذلك ، فقال له رسول الله عليهالسلام : يا ابن عوف ألا نفي بما وعدناك من الشروط؟ فقال : يا رسول الله أمثلي يأخذ على الإسلام شيئا ، فكان مالك بن عوف يعد ذلك ممن فتح بلاد الشام وأسلم أهلها على يده» (٦).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨))
ثم نزل لمنع المشركين عن دخول الحرم قوله (٧)(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) أي ذوو نجس بفتح الجيم والتخفيف فيه لغة ، أي قذر لشركهم وترك غسل الجنابة وعدم تحاميهم عن النجاسة أو جعلوا كأنهم نجس بعينه مبالغة في وصفهم بالنجاسة ، والمراد : النجاسة الحكمية لا النجاسة العينية وإلا لما طهرهم الإسلام ، وقال ابن عباس : «أعيانهم نجسة كالكلب والخنزير» (٨) ، ولذلك قيل : «من صافحهم فليتوضأ» (٩) ، ويمكن أن يقال إن الإسلام لا يطهر المطبوعين على الكفر ويطهر الجاهلين بحقيقة الأمر (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) من قرب بكسر الراء وفتحها إذا دنا ، وبضمها إذا زاد في الدنو ، أي لا يدخلوا الحرام أو لا يعتمروا ولا يحجوا كما كانوا يفعلون في الجاهلية ، لأنهم أنجاس (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) أي بعد حج هذا العام وهو سنة تسع من الهجرة ، وبه
__________________
(١) عطفة ، س : عطفه ، ب م.
(٢) البقرة ، س م : البقر ، ب.
(٣) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٤١ ـ ٤٢ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٥ ـ ٢٦ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٨٧.
(٤) وهو الجار ، س : والجار ، ب م.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ١٨٨.
(٦) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٢.
(٧) قوله ، م : ـ ب س.
(٨) انظر الكشاف ، ٢ / ١٨٨.
(٩) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٢ / ١٨٨.