ساكن الوسط ، منصرف وبغير التنوين (١) لكونه غير منصرف عند البعض ، جعله اسما اعجميا ، فلم ينصرف للعجمة والتعريف أو هو عربي حذف تنوينه لالتقاء الساكنين ، التنوين والباء من (ابْنُ) وهو مبتدأ ، خبره (ابْنُ) ، ويجوز أن يجعل (ابْنُ) صفته والخبر محذوف ، أي عزير الذي هو ابن الله معبودنا (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) أي عيسى ولده أو المسيح (٢) الذي هو ابن الله معبودنا ، نزل بيانا لإفراط كفر الفريقين من أهل الكتاب وتعديهما بنسبة الولد إليه تعالى عنه علوا كبيرا.
قيل : سبب قول اليهود إن عزيرا ابن الله ، أنهم لما قتلوا الأنبياء جاء بختنصر وخرب بيت المقدس وأحرق التورية ، فخزنوا على فوات التورية ، فخرج عزير وهو غلام يسيح في الأرض فأتاه جبرائيل ، فقال له : إلى أين تذهب؟ قال : أطلب العلم فحفظه التورية ، فجاء إلى اليهود فأملى عليهم عزير عن ظهر القلب ، فتعلموها ، فقالوا ما جمع الله التورية في صدره وهو غلام إلا أنه ابن الله (٣).
وسبب قول النصارى إن المسيح ابن الله ، أنهم لما رأوه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذن الله قالوا : لم يكن يفعل هذا إلا وهو ابن الله (٤).
فأفرط كل فريق في حب صاحبه فقالوا فيه ما قالوا حتى كفروا بربهم ، ولما لم يكن لقولهم هذا برهان ولا تأثير في القلوب قال تعالى (ذلِكَ) أي تكلمهم بنسبة الولد إليه تعالى (قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) أي مقولهم بألسنتهم فحسب لا معنى له يؤثر في القلب ، فهو لفظ مهمل من الألفاظ المهملة ، ليس تحته معنى صحيح يقبله العقل بالبرهان (يُضاهِؤُنَ) بكسر الهاء وضم الهمزة ، وبضم الهاء من غير همز (٥) ، من ضاهأت وضاهيت بمعنى شابهت ، أي يشابه قولهم ويوافق بتقدير القول (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) يعني يشابه قول اليهود والنصارى الذي في زمانك في كفرهم قول المشركين الذين كانوا قبلك الملائكة بنات الله يشير به إلى أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث ، ثم دعا عليهم فقال (قاتَلَهُمُ) أي لعنهم (اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [٣٠] أي كيف يصرفون عن الحق بعد قيام البرهان وهو توحيد الله.
(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١))
(اتَّخَذُوا) أي اتخذ أهل الكتابين (أَحْبارَهُمْ) أي علماءهم من اليهود (وَرُهْبانَهُمْ) أي أصحاب الصوامع
__________________
(١) «عزير» : قرأ عاصم والكسائي ويعقوب بتنوين «عزير» وكسره حال الوصل ، ولا يجوز ضمه للكسائي علي مذهبه ، والباقون بضم الراء وحذف التنوين. البدور الزاهرة ، ١٣٥.
(٢) المسيح ، ب م : ـ س.
(٣) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٢ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٥. المشهور أن عزيرا نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وإنه كان فيما بين داود وسليمان وبين زكريا ويحيى ، وإنه لما لم يبق في بني إسرائيل من يحفظ التورية ألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل كما قال وهب بن منبه أمر الله ملكا فنزل بمغرفة من نور فقذفها في عزير فنسخ التورية حرفا بحرف حتى فرغ منها. وروى ابن عساكر عن ابن عباس أنه سأل عبد الله بن سلام عن قول الله تعالى «وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ» فذكر له ابن سلام ما كان من كتبه لبني إسرائيل التورية من حفظه وقول بني رسرائيل لم يستطع موسى أن يأتينا بالتورية إلا في كتاب وإن عزيرا قد جاءنا بها من غير كتاب فرماه طوائف منهم وقالوا عزير ابن الله. ولهذا يقول كثير من العلماء أن تواتر التورية انقطع في زمن العزير. وهذا متجه جدا إذا كان العزير غير نبي كما قاله عطاء بن أبي رباح والحسن البصري وفيما رواه إسحاق بن بشر عن مقاتل بن سليمان عن عطاء وعن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه ومقاتل عن عطاء بن أبي رباح قال كان في الفترة تسعة أشياء : بختنصر وجنة صنعاء سبا وأصحاب الأخدود وأمر حاصورا وأصحاب الكهف وأصحاب الفيل ومدينة أنطاكية وأمر تبع. وقال اسحاق بن بشر : أنبأنا سعيد عن قتادة عن الحسن قال كان أمر عزير وبختنصر في الفترة.» انظر البداية والنهاية لابن كثير ، ٢ / ٤٢.
(٤) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٤٥.
(٥) «يضاهئون» : قرأ عاصم بكسر الهاء وهمزة مضمومة بعدها ، والباقون بضم الهاء وحذف الهمزة. البدور الزاهرة ، ١٣٥.