من غزوة تبوك (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) معك إلى غزوة أخرى (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) إلى الغزو (وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) ولو كان اعتذارهم صحيحا ، وعلله بقوله (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بالتخلف عن غزوة تبوك (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) [٨٣] أي مع النساء والصبيان وأصحاب الأعذار.
(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤))
قوله (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) ظرف لقوله (لا تُصَلِّ) ، و (ماتَ) صفة (أَحَدٍ) ، نزل حين طلب عبد الله بن أبي بن سلول عند حضور الموت له أن يصلى النبي عليهالسلام عليه إذا مات ، وأن يقوم على قبره ويكفنه في القميص الذي يلي جلده فقبل كله ، فقال عمر أتصل على عدو الله وتعطيه قميصك وهو كافر منافق ، فقال عليهالسلام : يا عمر ما يغنيه قميصي وصلوتي لظاهر إيمانهم من عذاب الله ، ولكني أرجو أن يسلم به ألف رجل لما يرون من تبركه به (١) ، روي : أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب ثوب رسول الله للتبرك به ، وقالوا لو لا عرفه حقا لما تبرك بقميصه نهيا للنبي عليهالسلام أن يفعل ذلك كله (٢) ، أي ولا تصل (٣) يا محمد أبدا على من يموت من المنافقين (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) للدفن وكان يقوم أولا على قبورهم ويستغفر لهم إلى أن يدفنوا ، وعلل النهي بقوله (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) في السر (وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) [٨٤] بالنفاق.
(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥))
(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ) أي لا يحسن في عينك ذلك ولا تمل إليهم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها) أي بأموالهم (فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ) أي وتخرج (أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) [٨٥].
(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦))
ثم أكد فسقهم بقوله (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) بتمامها أو أريد بعضها (أَنْ آمِنُوا) تفسير للسورة ، أي صدقوا (بِاللهِ) بقلوبكم كما أقررتم بلسانكم (وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ) في سبيله (اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) أي ذوو السعة والغناء من المنافقين في القعود (وَقالُوا ذَرْنا) أي اتركنا (نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) [٨٦] أي نقعد مع الذين تخلفوا عن الجهاد من الناس بعذر.
(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧))
(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) أي مع النساء والصبيان بالمدينة (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي قست وخرجت الرحمة منها (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) [٨٧] ما في التخلف من الشقاوة والهلاك أو لا يعلمون ثواب الخروج إلى الغزو.
(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨))
ثم قال تعالى إن لم يجاهد المنافقون وتخلفوا فقد قام إلى الجهاد من هو خبر منهم وأخلص نية وبينة بقوله (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أو بأموالهم إن لم يخرجوا إليه (وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) جمع الخيرة ، وهي الزوجة ، وقيل : الفاضلة (٤) ، أي الزوجات الحسان في الجنة أو الفاضلات من كل
__________________
(١) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٦٦.
(٢) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٦٦.
(٣) ولا تصل ، س : ولا تصلي ، ب م.
(٤) عن القتبي والأخفش ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٦٧.