(وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) يشفعون لنا في الآخرة (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) أي أتخبرونه (١)(بِما لا يَعْلَمُ) صحته (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) من شفاعة آلهتكم إما تعلمون أنها لا تكون (٢) أبدا أو أتخبرون الله بأن له شريكا يشفع عنده ولا يعلم الله لنفسه شريكا فيهما (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [١٨] بالياء والتاء (٣) ، وكذا في سورة النحل موضعين (٤) وفي سورة الروم (٥).
(وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩))
(وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) أي على الإسلام على عهد آدم ثم على عهد نوح بعد الغرق إذ لم يذر الله من الكافرين ديارا فكانوا كلهم مسلمين (فَاخْتَلَفُوا) أي فتفرقوا إلى مؤمن وكافر (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بأن جعل لكل أمة أجلا وأن لا يهلكهم إلا بأجلهم (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) في وقت اختلافهم بنزول العذاب وتعجيل عقوبة المكذبين وكان ذلك فضلا بينهم (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [١٩] وقيل : معناه لو لا حكمه أنه لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة لقضي بينهم في الدنيا فأدخل المؤمن الجنة والكافر النار ، ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة (٦).
(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠))
(وَيَقُولُونَ) أي أهل مكة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) أي هلا أنزل على محمد (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي من الآيات التي اقترحناها منه ، وذلك حين قال عبد الله بن أمية لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (٧)(فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) أي إنما سألتموني الغيب ، وهو نزول الآية وعلمه مختص بالله لا يعلمه أحد غيره (فَانْتَظِرُوا) نزولها (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) [٢٠] وقيل : معناه فانتظروا قضاء الله بيننا ياظهار الحق على الباطل (٨).
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١))
ثم قال إيماء إلى جهلهم وعدم إهمالهم عليه (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) أي كفار مكة وغيرهم (رَحْمَةً) أي مطرا أو راحة (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) أي بعد يبس (٩) وقحط أو بلاء وآفة (مَسَّتْهُمْ) أي أصابتهم (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ) وهو إخفاء الكيد ، جواب الشرط ، أي فاجأهم المكر وهو التكذيب والاستهزاء (فِي آياتِنا) أي في نعمنا النازلة عليهم بقولهم سقينا بنوء كذا ، ولما تضمن (إِذا) للمفاجأة معنى الإسراع قال بازائه (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي أخذا وعقوبة مما يأتي منكم في دفع الحق (إِنَّ رُسُلَنا) أي حفظتنا الملائكة (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) [٢١] من القول الكذب في شأن الحق.
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢))
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) أي يسهل لكم السير ، من التسيير ، وقرئ «ينشركم» (١٠) من النشر ، وهو البث ، أي
__________________
(١) أي أتخبرون ، ب س : أي تخبرونه ، م.
(٢) لا تكون ، ب : يكون ، س م.
(٣) «يشركون» : قرأ الأخوان وخلف بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ١٤٣.
(٤) انظر النحل (١٦) ، ١ ، ٣.
(٥) انظر الروم (٣٠) ، ٤٠.
(٦) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ١٣٦.
(٧) وهذا منقول عن السمرقندي ، ٢ / ٩٣.
(٨) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ١٤٦.
(٩) أي بعد يبس ، س : أي يبس ، ب م.
(١٠) «يسيركم» : قرأ ابن عامر وأبو جعفر بياء مفتوحة وبعدها نون ساكنة وبعد النون شين معجمة مضمومة من النشر ، والباقون بياء مضمومة وبعدها سين مهملة مفتوحة وبعدها ياء مكسورة مشددة من التسيير. البدور الزاهرة ، ١٤٣.