الإيمان بهم ، والواو للعطف على «ظَلَمُوا» (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء الإهلاك (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [١٣] أي المشركين المكذبين برسلهم.
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤))
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) يا أهل مكة أو هو خطاب لكل من بعث إليهم محمد عليهالسلام (خَلائِفَ) أي قوما يخلفون بدلا من القرون الماضية (١)(فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد هلاكهم (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [١٤] خيرا أو شرا ، أي أعاملكم على حسب أعمالكم ، وفيه تهديد لهم ، قال عليهالسلام : «الدنيا خضرة وإن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون» (٢) ، والنظر فيه مستعار عن العلم المتحقق ، لأن الشيء يتحقق بنظر الناظر ، و (كَيْفَ) معمول ل (تَعْمَلُونَ) لا ل «ننظر» ، لأن الاستفهام يمنعه.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥))
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) أي واضحات وهي القرآن (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) وهم كفار مكة (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) لم يكن فيه ذم آلهتنا ، ولا فيه وعيد لنا فيغيظنا نتبعك (أَوْ بَدِّلْهُ) بأن تجعل (٣) مكان آية العذاب آية الرحمة لا غير ، فأمر الله تعالى نبيه بقوله (قُلْ ما يَكُونُ لِي) أي ما يجوز وما يصلح (أَنْ أُبَدِّلَهُ) أي أجعله مكان آية العذاب آية الرحمة (مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) أي من قبل رأيي كما طلبتم مني وإن كنت قادرا عليه ، لأنه داخل تحت قدرة الإنسان لما فيه عصيان عظيم لأمر الله وسكت من الجواب عن الإتيان بقرآن آخر ، لأنه غير مقدور عليه الإنسان ثم قال تأكيدا لنفي التبديل (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) أي لا أعمل إلا بما ينزل علي من آيات القرآن (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بعمل ما لم أومر به (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [١٥] أي يوم القيامة.
(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧))
(قُلْ) لهم ليعلموا أن القرآن ليس من تلقاء نفسك (لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ) أي ما قرأت القرآن (عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) أي ولا أعلمكم الله بالقرآن وترككم على كفركم لو لم يجعلني رسولا إليكم ، وقرئ ولأدريكم بغير ألف (٤) ، أي ولو شاء لأعلمكم به على لسان غيري لكنه من علي بالرسالة (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) أي قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [١٦] أنه ليس من قبلي.
قيل : لبث النبي عليهالسلام فيهم قبل الوحي أربعين سنة ، ثم أوحي إليه ، فأقام بمكة بعد الوحي ثلاث عشرة ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة (٥).
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فزعم أنه له شريكا أو ولدا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي بمحمد والقرآن (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) [١٧] أي لا ينجو المشركون ، قيل : «هم مسيلمة الكذاب وأتبعاه» (٦).
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨))
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) إن عصوه وتركوا عبادته وهو الأصنام (وَلا يَنْفَعُهُمْ) إن عبدوه
__________________
(١) أي قوما يخلفون بدلا من القرون الماضية ، ب س : ـ م.
(٢) رواه مسلم ، الذكر ، ٩٩ ؛ والترمذي ، الفتن ، ٢٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ١٤٣.
(٣) بأن تجعل ، ب م : أي أن تجعل ، س.
(٤) «ولا أدريكم به» : قرأ المكي بخلف عن البزي يحذف ألف «ولا» ، والباقون باثباتها وهو الوجه الثاني للبزي. البدور الزاهرة ، ١٤٣.
(٥) نقله المصنف عن البغوي ، ٣ / ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٦) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٩٢.