أمثال القرآن وأخباره ، فيعتبرون بها.
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥))
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) أي يدعو كل أحد من الناس إلى الجنة التي هي دار السلامة من الآفات أو السّلام بمعنى التحية ، لأن أهلها يحيي بعضهم بعضا بالسلام أو الملائكة تسلم عليهم (وَيَهْدِي) أي ويرشد (مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [٢٥] أي إلى الدين القيم ، وهو الإسلام ، عم الدعوة لإظهار الحجة وخص بالهداية لاستغنائه عن الخلق ، والمعنى : أنه يدعو العباد كلهم إلى دار السّلام ، ولا يدخلها إلا المهديون ، وهم الذين علم أن اللطف منه يجري عليهم ، لأن مشيته تابعة لحكمته.
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦))
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) العمل في الدنيا مع التوحيد (الْحُسْنى) أي الجنة (وَزِيادَةٌ) أي فضل ، وهو النظر إلى وجه الله الكريم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا دخل أهل الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة! أن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، قالوا ما هذا الموعد؟ ألم يثقل موازيننا وينضر وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ قال : فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عزوجل ، قال : فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه» (١) ، وقيل : «المغفرة والرضوان» (٢) ، وقيل : «التضعيف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف» (٣)(وَلا يَرْهَقُ) أي لا يغشى (وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) أي غبار فيه سواد ، وهو كسوف الوجوه عند معاينة النار ، جمع قترة (وَلا ذِلَّةٌ) أي مذلة وهوان أو حزن ، وهذا بعد نظرهم إلى ربهم (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٢٦] أي دائمون.
(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧))
قوله (٤)(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) مبتدأ ، أي عملوا المعاصي مع الكفر (٥) ، والخبر (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) على الإضمار ، أي لهم جزاء سيئة منها بسيئة مثلها (٦) بلا زيادة ، كقوله (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها)(٧) ، وقيل : العذاب موافق للسيئة (٨) ، فان جزاء الشرك النار ، إذ لا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أشد من النار (وَتَرْهَقُهُمْ) أي وتغشيهم (ذِلَّةٌ) أي مذلة بكسوف الوجه إذا عاينوا النار (ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي ليس للكفار مانع يمنعهم من عذابه تعالى قله (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ) وصف لسواد وجوههم ، أي ألبست (وُجُوهُهُمْ قِطَعاً) بسكون الطاء ، أي جزءا واحدا وبفتحها قطعة (٩)(مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) حال من (اللَّيْلِ) ، والعامل (أُغْشِيَتْ) ، أي في حال ظلمته (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٢٧] أي دائمون في العذاب.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩))
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) نصب بمضمر ، أي واذكر يوم نجمع المشركين ومعبوديهم (جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله شركاء (مَكانَكُمْ) أي الزموا (أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) أي آلهتكم مقامكم ولا تبرحوا منه (فَزَيَّلْنا) أي
__________________
(١) رواه ابن ماجة ، المقدمة ، ١٣ ؛ وأحمد بن حنبل ، ٤ / ٣٣٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٩٥.
(٢) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٩٥ ـ ٩٦ ؛ والبغوي ، ٣ / ١٥١ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٠.
(٣) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ١٥١ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٠.
(٤) قوله ، س : ـ ب م.
(٥) الكفر ، ب س : الكفار ، م.
(٦) مثلها ، ب م : بمثلها ، س.
(٧) الأنعام (٦) ، ١٦٠.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٩٦.
(٩) «قطعا» : قرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب باسكان الطاء ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١٤٤.