يَعْقِلُونَ) [٤٢] أي لا يفهمون بالقلب.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣))
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) بأبصارهم تعجبا منك ، أفرد الضمير نظرا للفظ «من» (أَفَأَنْتَ تَهْدِي) أي ترشد إلى الإيمان (الْعُمْيَ) أي عمي القلب (وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) [٤٣] أي لا يدركون بالبصيرة ، المعنى : أنهم في اليأس من قبول الحق وتصديقه كالصم والعمي الذين لا عقول لهم ولا بصائر ، فكيف يهتدون بهدايتك وقد سلبت منهم السمع والبصر اللذين هما من أسباب الاهتداء وحكمت عليهم بأن لا يؤمنوا ، وإنما قرن بالأصم عدم العقل وبالأعمى عدم الإدراك تفضيلا لحكم الباطن على الظاهر ، لأن الأصم العاقل ربما يفطن بعقله ، واستدل على تحقق شيء أكثر ممن يقع الصوت في أذنه ولا عقل له وكذا الأعمى الذي له بصيرة قد يحس شيئا أكثر مما يحسه البصيرة الذي لا بصيرة له.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤))
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ) أي لا ينقص من أجورهم (شَيْئاً) ولا يحمل عليهم من أوزار غيرهم شيئا ، لأنه في جميع أحواله متفضل أو عادل (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [٤٤] بالكفر والمعصية ، قرئ «لكن» بكسر النون مع التخفيف وبفتحها مع التشديد (١) ، وعليهما الاختلاف في (النَّاسَ).
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥))
قوله (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) بالنون والياء (٢) ظرف ل (يَتَعارَفُونَ) ، أي يوم يجمعهم الله بالبعث من قبورهم (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) أي مشبهين بمن لم يمكثوا في الدنيا أو في القبور لشدة ما يلقون يوم القيامة (إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) ف (كَأَنْ) مخففة من الثقيلة ، أي كأنهم ، و (ساعَةً) ظرف ل «لبث» ، وجملة «كان» نصب على الحال من مفعول «نحشر» ، وجملة (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) حال أخرى مبينة للأولى ، ويجوز أن يتعلق بالظرف ، أي يعرف يعضهم بعضا حين بعثوا من قبورهم كمعرفتهم (٣) في الدنيا ، ثم ينقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة ، قيل : «إن الإنسان يعرف من يحبه يوم القيامة ولا يكلمه خشية وهيبة» (٤)(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) أي بالبعث بعد الموت ، أي غبنوا في تجارتهم ببيعهم الإيمان بالكفر (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [٤٥] أي عارفين بالتجارة ، وفيه معنى التعجب ، والمراد من «الخسران» خسران النفس ، ولا شيء أعظم منه.
(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦))
(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب في حيوتك يا محمد (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل أن نريك تعذيبهم (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) أي مصيرهم في الإخرة (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) أي عالم رقيب (عَلى ما يَفْعَلُونَ) [٤٦] في الدنيا من الكفر والتكذيب فيجزيهم به ، ثم يعني نحن نريكه في الآخرة فلا تتحزن ، وكلمة (ثُمَّ) هنا بمعنى الواو ، إذ لا تراخي (ثُمَّ) في تعذيبهم ، وقيل : أريد من الشهادة هنا مقتضاها وهو العقاب ، كأنه قال ثم الله معاقب على ما فعلوا ، ف (ثُمَّ) بمعناها (٥).
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧))
__________________
(١) «ولكن الناس» : قرأ الأخوان وخلف بتخفيف النون وكسرها وصلا للساكنين ورفع «الناس» ، والباقون بتشديد النون مع فتحها ونصب «الناس». البدور الزاهرة ، ١٤٥.
(٢) «يحشرهم» : قرأ حفص بالياء ، والباقون بالنون. البدور الزاهرة ، ١٤٥.
(٣) كمعرفتهم ، ب س : لمعرفتهم ، م.
(٤) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ١٦٠.
(٥) نقله المصنف عن الكشاف ، ٣ / ١٤.