(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) أي لأهل كل دين مضوا (رَسُولٌ) أتاهم يدعوهم إلى الحق (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) بالبينات وكذبوه ولم يتبعوه (قُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي بين المكذبين ورسولهم (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل ، فأنجي الرسول وعذب المكذبون في الدنيا والآخرة ، ففيه إيماء إلى أن لا ثواب ولا عقاب قبل مجيئ الرسول (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [٤٧] أي لا يعذبون بغير حجة يلزمهم أو لا يؤاخذون بغير ذنب ولا يزاد على سيئاتهم.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨))
(وَيَقُولُونَ) أي المشركون استهزاء (مَتى هذَا الْوَعْدُ) بقيام الساعة أو بنزول العذاب بنا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٤٨] في ذلك أنت يا محمد وأصحابك ، وفيه استبعاد له منهم.
(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩))
(قُلْ لا أَمْلِكُ) أي لا أقدر (لِنَفْسِي) على شيء (ضَرًّا) أي دفع ضرر من مرض أو فقر (وَلا نَفْعاً) أي جلب نفع كصحة وغنا (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن يقدرني عليه ، استثناء منقطع ، أي لكن ما شاء الله يصيبني ، فكيف أملك على الإتيان بالساعة أو على إنزال العذاب بكم (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي مدة معلومة وهي وقت فناء أعمارهم أو وقت تعذيبهم (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) أي ذلك الوقت (فَلا يَسْتَأْخِرُونَ) عنه ، أي لا يمهلون (ساعَةً) من الزمان (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [٤٩] أي لا يسبقون عنه ساعة ، فهذه الأمة كذلك لا يتأخر عنهم العذاب إذا نزل بهم ، وإنما قيد «الساعة» ، لأنها أقل زمان الإمهال والاستعجال ، المعنى : أنه تعالى إذا جاء ذلك الوقت المحدود أنجز وعدكم لا محالة فلا تستعجلوه ، وفيه مبالغة في نفي التأخير بتسوية طرفي الزمان المحدود في نفي التقديم والتأخير اللذين أحدهما ممكن والأخر محال.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠))
(قُلْ) لكفار مكة (أَرَأَيْتُمْ) أي أخبروني (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ) أي عذاب الله (بَياتاً) أي وقت بيات بمعنى التبييت ، وهو الليل وأنتم غافلون عنه بالنوم فيه كما جاء إلى قوم لوط ، ولذا لم يقل ليلا (أَوْ نَهاراً) أي وقتا فيه تشتغلون (١) بطلب الكسب والمعاش ساهين عنه كما جاء إلى قوم شعيب ، وجواب الشرط محذوف وهو تندموا حسرة على الاستعجال أو الجواب (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) [٥٠] على معنى أن العذاب كله مكروه ، فان أتاكم ذلك فأي شيء يستعجل به من الله المشركون (٢) وليس شيء منه يوجب الاستعجال ، ويجوز أن يرجع الضمير في (مِنْهُ) إلى العذاب ، ويتعلق الاستفهام بقوله (أَرَأَيْتُمْ) ، وإنما قال (الْمُجْرِمُونَ) ولم يقل «ما ذا تستعجلون منه» تصريحا لموجب ترك الاستعجال وهو الأجرام ، لأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب على أجرامه.
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١))
ثم استفهم (٣) على تقدير نزول العذاب بهم عن حالهم تهديدا لهم بقوله (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) أي أبعد استعجالكم العذاب إذا وقع بكم العذاب (آمَنْتُمْ بِهِ) أي بالله أو بمحمد أو بالعذاب عند نزوله ، فقيل لكم وقت اليأس (آلْآنَ) تؤمنون (٤) بالله (٥) حين لا ينفعكم الإيمان (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) [٥١] أي تكذبون ، لأن استعجالهم على وجه التكذيب والإنكار.
(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢))
قوله (ثُمَّ قِيلَ) عطف على (قِيلَ) المضمر قبل (آلْآنَ) بمعنى يقال ، أي ثم يقال (لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا
__________________
(١) فيه تشتغلون ، ب م : يشتغلون فيه ، س.
(٢) المشركون ، ب س : المشركين ، م.
(٣) استفهم ، س م : استفهمهم ، ب.
(٤) تؤمنون ، ب س : يؤمنون ، م.
(٥) بالله ، م : ـ ب س.