والقائلون خزنة جهنم (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) الذي لا ينقطع عنكم (هَلْ تُجْزَوْنَ) أي ما تجازون (إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [٥٢] في الدنيا من الكفر والتكذيب.
(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣))
قوله (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) أي يسألونك عن خبر العذاب ، نزل حين قدم حيي ابن أخطب مكة ، وقال للنبي عليهالسلام مستخبرا عن العذاب (١)(أَحَقٌّ هُوَ) أي ما تعدنا من العذاب وقيام الساعة ، فقال تعالى لنبيه عليهالسلام (قُلْ إِي وَرَبِّي) أي نعم والله (إِنَّهُ لَحَقٌّ) لا شك فيه وجمع بين القسم وحرف الإيجاب تأكيدا لحقيته (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) [٥٣] أي بفائتين من العذاب ، لأن من عجز عن شيء فقد فاته وهو أيضا داخل تحت القسم.
(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤))
ثم قال مخبرا عن حالهم التي ستكون لهم يوم القيامة (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) أي أشركت بالله تعالى ، صفة (نَفْسٍ) واسم «أَنَّ» (ما فِي الْأَرْضِ) جميعا ، أي لو كان لها جميع ما فيها من الأموال وغيرها (لَافْتَدَتْ) النفس ، أي لأعطت فدية (بِهِ) أي بجميع ما فيها مقابلة نجاتها من العذاب ، ولا يتقبل ذلك منها (٢)(وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) أي وأخفاها (٣) رؤساؤهم من السفلة (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) رأى العين يوم القيامة حياء وخوفا من لوم الضعفاء وتوبيخهم أو عجزا (٤) عن النطق بها لشدة الأمر ، لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوا (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي وحكم بين الخلائق (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [٥٤] من ثواب أعمالهم إن كانوا مؤمنين صالحين ولا يزاد في عذابهم إن كانوا كافرين أو عاصين.
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥))
ثم قال منبها في بيان استغنائه عن الخلق وقدرته عليهم (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي جميعه ملكه ينفذ حكمه فيه ، لأنه خلقهما وما فيهما يدل على توحيده (٥) وقدرته على البعث بعد الموت (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) أي وعده بالبعث كائن لا محالة (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٥٥] ذلك فيصدقون به.
(هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦))
(هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) أي يحيي الخلائق ويميتهم (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [٥٦] بعد الموت في الآخرة ، فيثيبهم ويعاقبهم بحسب الحال.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧))
ثم خاطب أهل مكة أو جميع الناس ترغيبا في الإيمان بالقرآن والعمل به فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ) أي كتاب جامع (مِنْ رَبِّكُمْ) لفوائد مما يجب لكم وعليكم من الحلال والحرام (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) أي دواء لما في القلوب من داء الجهل وعمي القلب (وَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [٥٧] أي لكل من آمن به وعمل بما فيه.
(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨))
(قُلْ) يا محمد للمؤمنين (بِفَضْلِ اللهِ) الإسلام (وَبِرَحْمَتِهِ) بالقرآن ، وقيل : بالعكس (٦) فليفرحوا (فَبِذلِكَ) أي فبفضل الله وبرحمته (فَلْيَفْرَحُوا) وهذا التقدير أصل الكلام ، كرره للتقرير والتأكيد ، فحذف أحد الفعلين
__________________
(١) عن قتادة ومقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٠٢.
(٢) منها ، ب م : منهما ، س.
(٣) وأخفاها ، س : وأخفوها ، ب م.
(٤) عجزا ، ب م : عجزوا ، س.
(٥) توحيده ، ب س : التوحيد ، م.
(٦) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٠٢.