لدلالة المذكور عليه ، والفاء داخل في جواب الشرط معنى كأنه قال إن فرحتم بشيء فلتخصوهما (١) بالفرح ، فانه لا شيء أحق أن يفرح به منهما من فوائد الدنيا (هُوَ) أي ذلك الفرح (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [٥٨] أي مما يجمعه الكافرون من أموال الدنيا.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩))
(قُلْ) يا محمد للمشركين (أَرَأَيْتُمْ) أي أخبروني (ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ) أي الذي (٢) أعطاكم (مِنْ رِزْقٍ) كالحرث والأنعام ، وعبر بالإنزال ، لأن كل ما في الأرض من خير مما أنزل من السماء بالماء (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً) على النساء (وَ) منه (حَلالاً) للرجال فبعضتموه ، وقلتم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا (قُلْ) مستفهما منهم (٣) ، والاستفهام متعلق ب (أَرَأَيْتُمْ) ، أي أخبروني (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) في هذا التحريم والتحليل (أَمْ) أي بل (عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) [٥٩] تختلقون بنسبة ذلك إليه ، والإستفهام للمبالغة في الزجر عن الافتراء في الحكم إذا سئل عنه الحاكم وباعث على الاحتياط فيه ، لأن من لم يحتط في الحكم فهو مفتر.
(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠))
ثم قال تأكيدا للزجر عن ذلك (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) و (ما) فيه استفهام لتقرير التهديد ، أي أي شيء ظنهم في الافتراء على الله ، أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ولا يعاقبهم عليه (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أي لذو من عليهم بتأخير العذاب عنهم أو بالوحي (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) [٦٠] نعمة الله الإسلام ولا يتبعون ما هدوا إليه به ، وهو القرآن.
(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١))
قوله (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) خطاب للنبي عليهالسلام بالخصوص تفضيلا له ، وقيل : المراد أمته (٤) ، و (ما) فيه للنفي ، أي ما تكون يا محمد في عمل من الأعمال ، وأصل الشأن القصد والجمع شؤون (وَما تَتْلُوا) أي ما تقرأ (مِنْهُ) أي من الله أو من الشأن (مِنْ قُرْآنٍ) ثم جمع النبي مع أمته تفضيلا لهم بقوله (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) من أعمال الدنيا والآخرة (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) أي رقباء عالمين بكم وبأعمالكم (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) أي حين تدخلون في العمل سواء كان تلاوة القرآن أو الذكر أو الحكم على الناس بالعدل أو بالظلم أو عملا مما تشتهي نفوسكم من أعمال الدنيا ، فعلى كل حل نحن شهداء عليكم ، وفيه تهديد وتشديد لخلقه (وَما يَعْزُبُ) بضم الزاء وكسرها (٥) ، أي وما يغيب (عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) وهو فاعل (يَعْزُبُ) ، و (مِنْ) صلة ، والذرة النملة الصغيرة الحميراء أو ما يرى في شعاع الشمس من الغبار ، أي وزنها (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) وحق (السَّماءِ) أن يقدم على الأرض ولكنه لما ذكر شهادته على شؤون أهل الأرض ووصل قوله «لا يعزب عنه» بذلك قدم (الْأَرْضِ) على (السَّماءِ) لرعاية الملائمة بينهما على أن حكم العطف بالواو فيه حكم التثنية ، أي لا يعزب عنه شيء منهما ، ثم استأنف تأكيدا لذلك بقوله (٦)(وَلا أَصْغَرَ) أي ولا أخف (مِنْ ذلِكَ) أي من وزن الذرة (وَلا
__________________
(١) فلتخصوهما ، ب س : فليخصوهما ، م.
(٢) الذي ، ب س : ما ، م.
(٣) منهم ، ب س : منهما ، م.
(٤) هذا المعنى مأخوذ عن السمرقندي ، ٢ / ١٠٣.
(٥) «يعزب» : قرأ الكسائي بكسر الزاي ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١٤٩.
(٦) ثم استأنف تأكيدا لذلك بقوله ، ب س : ـ م.