أَكْبَرَ) أي أثقل من وزن الذرة (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [٦١] أي إلا ثابت (١) في اللوح المحفوظ ، قرئ بفتح الراءين بناء على أن «لا» لنفي الجنس ، وبرفعهما (٢) لابتداء الكلام وقطعه عما قبله ، إذ لو عطف على محل (مِثْقالِ ذَرَّةٍ) على الفاعلية لفسد المعنى ، هو لا يغيب عن الله أصغر من مثقال ذرة إلا في كتاب مبين ، يعني يغيب عنه فيلزم الجهل به تعالى عنه علوا كبيرا اللهم إلا إذا أريد من لا يعزب لا يبين أو لا يصدر فيستقيم الاستثناء حينئذ بمعنى لا يظهر أو لا يحدث عن الله شيء من الغيب في الأرض ولا في السماء إلا وهو مكتوب في اللوح ونحن نشاهده في كل وقت.
(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) أي أحباءه وهم العلماء بالله وحملة القرآن ، وقيل : هم المجتنبون عن عمل السوء في الخلوات لعلمهم أن الله مطلع عليهم (٣) ، وقيل : هم الذين إذا رؤوا ذكر الله (٤) ، والمراد السمت كقوله (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)(٥)(لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من شدائد الساعة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [٦٢] بفوت الجنة ولا بحرمان اللقاء أو لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣))
ثم وصفهم بقوله (الَّذِينَ آمَنُوا) بالله وأقاموا بقلوبهم على موجب المعارف منه (وَكانُوا يَتَّقُونَ) [٦٣] عن المخالفة بعد استقامة نفوسهم بأداء الوظائف.
(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤))
(لَهُمُ الْبُشْرى) وهي الرؤيا الصالحة التي يراها (٦) العبد المؤمن لنفسه أو يرى له غيره ، وهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة على الأصح ، هي البشارة العظمى (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وقيل لهم البشرى عند الموت يبشرهم (الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا)(٧) الآية (وَفِي الْآخِرَةِ) أي يبشرهم الملائكة حين يخرجون من القبور بالجنة والفوز وبياض وجوههم الذي يرونه (لا تَبْدِيلَ) أي لا تحويل (لِكَلِماتِ اللهِ) أي لمواعيده تعالى التي وعدها في القرآن (ذلِكَ) أي الموعود للمؤمنين (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [٦٤] أي النجاة الوافرة في الآخرة.
(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥))
ثم قال تسلية للنبي عليهالسلام (وَلا يَحْزُنْكَ) يا محمد (قَوْلُهُمْ) أي تكذيبهم وتهديدهم ومشاورتهم في إبطال أمرك ، قوله (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ) في معنى التعليل كأنه قال ما لي لا أحزن؟ فقيل لأن الغلبة والقهر والقدرة لله (جَمِيعاً) فانه ناصرك وناصر دينك والمنتقم منهم ، وكل من يتعزز إنما هو باذن الله (هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) [٦٥] بنياتهم وعقوبتهم.
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦))
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي كل ما فيهما في حكمه وتحت تصرفه من الخلق الملك والإنس والجن وغيرهم وذكر (مَنْ) تغليبا للعقلاء (وَما يَتَّبِعُ) «ما» فيه للنفي (٨) ، أي لم يتبع (الَّذِينَ يَدْعُونَ)
__________________
(١) أي إلا ثابت ، ب س : أي الثابت ، م.
(٢) «ولا أصغر ولا أكبر» : قرأ يعقوب وخلف وحمزة برفع الراء فيهما ، والباقون بنصبها فيهما. البدور الزاهرة ، ١٤٩.
(٣) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ١٠٤.
(٤) وهذا المعنى منقول عن السمرقندي ، ٢ / ١٠٤ ؛ والبغوي ، ٣ / ١٦٧.
(٥) الفتح (٤٨) ، ٢٩.
(٦) الصالحة التي يراها ، س : الصالحة يراها ، ب م.
(٧) فصلت (٤١) ، ٣٠.
(٨) ما فيه للنفي ، م : ـ ب س.