أي يعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) أي آلهة حقيقة الشركاء وإن سموهم شركاء لاستحالة الشركة في ربوبية الله تعالى (١) ، لأنهم إنما يعبدونها على أنهم شركاء يشفعون لنا وليس ذلك على ما يظنون ، ف (شُرَكاءَ) المذكور مفعول (يَتَّبِعُ) ، ومفعول (يَدْعُونَ) محذوف ، فتقديره : ما يتبع الذين يدعون شركاء من دون الله شركاء محذوف الأول بدلالة الثاني عليه ، وقيل : (ما) استفهام منصوب المحل ب (يَتَّبِعُ) على وجه الإقناط (٢) ، أي أي شيء يتبع (٣) ، ف (شُرَكاءَ) نصب ب «يَدْعُونَ» (إِنْ يَتَّبِعُونَ) أي ما يتبع عابدو الشركاء (إِلَّا الظَّنَّ) يعني لا يعبدونها إلا بظن أنها تقربهم إلى الله (وَإِنْ هُمْ) أي ما المشركون (إِلَّا يَخْرُصُونَ) [٦٦] أي يكذبون في قولهم إنها شفعاء لنا.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧))
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) من تعب الأشغال في النهار (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي وجعله مضيئا يبصر فيه كقولهم ليل نائم طلبا للمعيشة (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في تقليب الليل والنهار (لَآياتٍ) أي لعبرات (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [٦٧] سماع الاعتبار والاتعاظ ، فيعلمون أن لا يقدر على ذلك غير الله وأن لا إله إلا هو فيؤمنون به على التوحيد.
(قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨))
ثم نزه نفسه عن افتراء آخر منهم بقوله (قالُوا) أي المشركون (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) وهو قولهم الملائكة بنات الله (سُبْحانَهُ) تعجيب من كلمتهم الخبيثة الحمقاء ، وتنزيه له عن اتخاذ الولد (هُوَ الْغَنِيُّ) عن اتخاذ الولد وخلقه (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي ملك له بخلقه من العدم (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) أي ما عندكم بهذا القول برهان و «من» صلة بعد النفي للتأكيد (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [٦٨] حقيقته ، يعني لا تقولوا ما ليس لكم به علم فانه جهل وافتراء.
(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))
(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) [٦٩] أي لا ينجون من عذاب (مَتاعٌ) أي افتراؤهم (٤) بلغة يسيرة (فِي الدُّنْيا) لنيل رياستهم ولذاتهم ثم نزول (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) أي مصيرهم بعد الموت (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ) يوم القيامة (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) [٧٠] أي بكفرهم.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١))
ثم أمر نبيه أن يقرأ على أهل مكة خبر نوح وقومه ليعتبروا فيؤمنوا بقوله (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) أي على كفار قريش (نَبَأَ نُوحٍ) أي خبره في القرآن (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) الكفرة وهم ولد قابيل (يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ) أي عظم وثقل (عَلَيْكُمْ مَقامِي) أي قيامي بينكم واعظا لكم (وَتَذْكِيرِي) أي وعظتي لكم (بِآياتِ اللهِ) وهي قوله في سورة نوح (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً)(٥) إلى قوله (أَلَمْ تَرَوْا)(٦) الآية ، فعزمتم على قتلي أو طردي (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) أي فوضت أمري إليه وثقت به لا بغيره ، ثم قال احتقارا بهم واستصغارا لشأنهم (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) أي فاحكموا كيدكم في إهلاكي من الإجماع وهو الأحكام ، قوله (وَشُرَكاءَكُمْ) الواو فيه بمعنى «مع» ، أي أجمعوا أمركم مع شركائكم ، أي آلهتكم ذكرهم على وجه التهكم أو ادعوا شركاءكم واستعينوا بها لتجتمع
__________________
(١) لاستحالة الشركة في ربوبية الله تعالى ، م : ـ ب س.
(٢) على وجه الإقناط ، ب س : ـ م.
(٣) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٩.
(٤) أي افتراؤهم ، ب م : أي افتراء ، س.
(٥) نوح (٧١) ، ١٠.
(٦) نوح (٧١) ، ١٥.