آمنوا وهم يخافون من فرعون وقومه وإنما لم يؤمن آباؤهم (١) ، لأنهم كانوا من القبط ، وكانت أمهاتهم من بني إسرائيل ، فجعل الرجل يتبع أمه وخاله ، وقيل : هلك آباؤهم من بني إسرائيل وبقي أبناؤهم (٢) ، وقيل : الضمير في ملئهم لفرعون (٣) ، جمع تعظيما له لكونه عظيما في نفسه أو المراد من (فِرْعَوْنَ) آله كما يقال مضر ويراد قومه قوله (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) في محل الجر بدل من (فِرْعَوْنَ) ، أي على خوف من أن يقتلهم (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ) أي لطاغ عات متكبر (فِي الْأَرْضِ) أي في أرض مصر بادعاء الألوهية والقتل والظلم العظيم (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [٨٣] أي المجاوزين الحد ، لأنه كان عبدا فقيرا فادعى الربوبية بكبره وعتوه (٤) ، قيل : «عاش فرعون ثثلثمائة سنة أو مائتين وعشرين سنة لم ير مكروها ، ودعاه موسى ثمانين سنة» (٥).
(وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤))
(وَقالَ مُوسى) لقومه الذين آمنوا به (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) أي به ثقوا ولا تخافوا من فرعون وقومه ، وذلك حين قالوا له أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ، فقال توكلوا على الله (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [٨٤] أي مخلصين في الإيمان (٦).
(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦))
(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) في جميع أمورنا ثم دعوه بقولهم (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) أي بلية (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [٨٥] أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانا وعتوا (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ) أي بنعمتك وإحسانك (مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) [٨٦] بك وبأنبيائك ، يعني فرعون وقومه.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧))
قال الله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ) هرون (أَنْ تَبَوَّءا) أي اتخذا مباءة (لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) وهي المنزل ، يقال تبوأ فلان لنفسه بيتا إذا اتخذه مضجعا وأردا ب «مصر» هنا إما مصر فرعون أو الإسكندرية ، يعني اتخذا لأجلهم منزلا ومقاما فيها لأجل العبادة ، فلذلك ثني الخطاب (٧) ، وإنما خص الخطاب بهما ، فقيل تبوآ (٨) ، لأنه مما يفوض إلى الأنبياء ، ثم سيق الخطاب عاما لهما ولقومها بقوله (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أي في بيوتكم مساجد متوجهة إلى القبلة وهي الكعبة ، وكان بنو إسرائيل لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم ، فلما أرسل موسى أمرهم فرعون أن يخربوا بيعهم وكنائسهم ، ومنعهم من الصلوة لئلا يظهر عبادتهم وكانت ظاهرة ، فأمرهم أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها سرا خوفا من آل فرعون ، وقيل : معناه حولوا بيوتكم نحو القبلة (٩) ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : «كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه» (١٠) ، فأمرهم بالتحويل إليها (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي أتموها فيها بركوعها وسجودها خفية من الكفرة حذارا من أذاهم ، قيل : كان المسلمون على ذلك في أول الإسلام بمكة لئلا يفتنوهم ثم خص موسى بالبشارة التي هي الغرض تعظيما لها وللمبشر بها بقوله (١١)(وَبَشِّرِ) يا موسى (الْمُؤْمِنِينَ) [٨٧] أي المصدقين بالله المصلين في البيوت سرا بالجنة ، وهذا يؤذن أن
__________________
(١) آباؤهم ، ب س : آباءهم ، م.
(٢) أخذه المصنف عن البغوي ، ٣ / ١٧٤.
(٣) نقله المفسر عن الكشاف ، ٣ / ٢٢.
(٤) بكبره وعتوه ، م : ـ ب س.
(٥) عن محمد بن المنكدر ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٠٨.
(٦) في الإيمان ، ب م : بالإيمان ، س.
(٧) ثني الخطاب ، م : ـ ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٢٣.
(٨) وإنما خص الخطاب بهما فقيل تبوآ ، ب س : ـ م.
(٩) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ١٠٨.
(١٠) انظر البغوي ، ٣ / ١٧٦.
(١١) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ٢٣. ثم خص موسى بالبشارة التي هي الغرض تعظيما لها وللمبشر بها بقوله ، ب س : ـ م.