الصلوة كانت مفروضة على بني إسرائيل بمصر دون الزكوة ، لأن فرعون استعبدهم وأخذ أموالهم ، فصاروا فقراء ومساكين (١) ، وقيل (وَبَشِّرِ) خطاب لمحمد عليهالسلام (٢) ، وهذا خلاف الظاهر.
(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨))
ثم أخبر تعالى عن موسى وحاله بقوله (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ) أي أعطيته (وَمَلَأَهُ) أي أشرافه (زِينَةً) وهي كل ما يتزين به من متاع الدنيا ، قيل : «كانت لهم من فسطاط مدينة من نواحي مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن ذهب وفضة وياقوت وزبرجد» (٣) ، فطغوا بها وضلوا ، ولذلك قال (وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) أي عن دين الإسلام ، قرئ بفتح الياء من الضلال ، أي ليمتنعوا عن دينك وبضمها من الإضلال (٤) ، أي ليصرفوا الناس عن دينك ، واللام فيه للتعليل ، أي ليكون سببا للضلالة أو لام العاقبة ، أي ليكون عاقبة أمرهم الضلال ، وقيل : هو دعاء بلفظ أمر الغائب بدليل قوله (٥)(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) أي امحها واهلكها ، والطمس المحو (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي اقسها ولا توفقهم للإيمان (٦)(فَلا يُؤْمِنُوا) عطف على (لِيُضِلُّوا) ، والأولى عطفه على (اشْدُدْ) ، وقيل : نصب بعد الفاء في جواب الدعاء (٧) ، أي حتى لا يدخلها الإيمان ، وقيل : هو دعاء بلفظ النهي (٨) ، أي اللهم اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [٨٨] وهو الغرق ، قيل : مسخ الله أموالهم حجارة من الدراهم والدنانير مع نقوشهما كهيئتهما صحاحا ، ومن النخيل والثمار والطعام والدقيق (٩) ، روي : أن الرجل كان مع أهله في فراشه فصارا حجرين والمرأة قائمة تختبز فصارت حجرا وسكرهم أيضا صار حجرا (١٠) ، فكانت إحدى الآيات التسع ، وذلك حين وعد له فرعون بأن يؤمن ويرسل معه بني إسرائيل كما أمر الله به.
(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩))
ثم نقض العهد فدعا عليهم موسى وهرون (قالَ) تعالى (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) قيل : إنهما كانا يدعوان جميعا (١١) ، وقيل : «دعا موسى وأمن هرون» (١٢)(فَاسْتَقِيما) أي فاثبتا على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [٨٩] قرئ بتشديد التاء وكسر الباء وسكون التاء وفتح الباء مع تخفيف النون المؤكدة وكسرها لالتقاء الساكنين وبتشديدها (١٣) ، أي لا تسلكان طريق الجهلة بعبادة الله ولا تجعلا في إجابة دعائكما ، فان التعجيل ليس بمصلحة ، إذ الأمور يتعلق بالمصالح كما لبث نوح في قومه قريبا من ألف عام ولم يستعجل لزيادة إلزام الحجة ، قيل : «إن الإجابة ظهرت بعد أربعين سنة» (١٤) ، وقيل : بعد أربعين يوما (١٥) ، وقيل : وقع الدعاء حين خرج موسى ببني إسرائيل من مصر وآيس من إيمانه وإيمان قومه (١٦) ، لأنه علم أن إيمانهم كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة بوحي من الله ، فاشتد غضبه وأفرط مقته ، فدعا عليهم بما علم أنه لا يكون غيره.
__________________
(١) وخص بالبشارة موسى تعظيما لها وللمبشر بها ، + ب م.
(٢) أخذه عن البغوي ، ٣ / ١٧٦.
(٣) عن ابن عباس ، انظر الكشاف ، ٣ / ٢٣.
(٤) «ليضلوا» : قرأ الكوفيون بضم الياء ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١٥٠.
(٥) لعله اختصره من الكشاف ، ٣ / ٢٩.
(٦) للإيمان ، س م : الإيمان ، ب.
(٧) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ١٧٧.
(٨) هذا الرأي منقول عن الكشاف ، ٣ / ٢٩.
(٩) نقله عن البغوي ، ٣ / ١٧٧.
(١٠) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ١٧٧.
(١١) وهذا مأخوذ عن الكشاف ، ٣ / ٢٣.
(١٢) عن محمد بن كعب القرظي وأبي العالية وعكرمة وأبي صالح ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٠٩.
(١٣) «ولا تتبعان» : قرأ ابن ذكوان بتخفيف النون ، والباقون بتشديدها وهو كالجماعة في فتح التاء الثانية وتشديدها وكسر الباء الموحدة. البدور الزاهرة ، ١٥٠.
(١٤) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٠٩.
(١٥) هذا منقول عن السمرقندي ، ٢ / ١٠٩.
(١٦) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ١٠٩.