(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠))
قوله (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) غاية ليصنع ، أي كان يفعل السفينة إلى أن جاء عذابنا الموعود لإهلاكهم (وَفارَ التَّنُّورُ) الذي يخبز فيه بارتفاع الماء منه خارجا عنه من ناحية الكوفة ، قيل : «كان من حجارة لحواء تخبز فيه فصارت إلى نوح» (١) ، وقيل : «معناه طلع الفجر وظهر الصبح» (٢) ، وكان ذلك علامة لركوب السفينة (قُلْنَا) لنوح (احْمِلْ فِيها) أي في السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكره تأكيدا ، قرئ «من كل» بالتنوين هنا وفي سورة المؤمنين (٣) ، وباضافته إلى زوجين (٤) ، فمفعول (احْمِلْ) اثنين ، أي صنفين من الحيوان ، وهما اللذان لا يستغنى أحدهما عن الآخرة من ذكر وأنثى ، فيقال لكل منهما زوج ، قيل : عند فوران التنور بالماء حشر الحيوان لنوح عليهالسلام بأمره تعالى بعد ما قال يا رب كيف أحمله فجعل يضرب بيديه فيقع الذكر في اليمنى والأنثى في اليسرى ، فيلقيهما في السفينة (٥) ، قوله (وَأَهْلَكَ) نصبه عطف على مفعول (احْمِلْ) ، أي احمل ولدك وعيالك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) بالهلاك ، يعني امرأته واعلة وابنه الكافر به كنعان (وَمَنْ آمَنَ) أي واحمل من صدقك أنك نبي (وَما آمَنَ مَعَهُ) أي لم يؤمن مع نوح (إِلَّا قَلِيلٌ) [٤٠] من الناس.
قيل : عدد من في السفينة ثمانية نفر ، بنوه الثلاثة سام وحام ويافث وثلاث نسوة لهم ونوح وامرأته غير الهالكة (٦) ، وقيل : ثمانون إنسانا ، نصفهم رجال ونصفهم نساء (٧) ، وحمل معهم جسد آدم ، فجعله معترضا بين الرجال وبين النساء ، قال ابن عباس : «أول ما حمل نوح الدرة ، وآخر ما حمل الحمار ، فلما دخل صدره تعلق إبليس بذنبه فلا يستطيع أن يدخل حتى قال نوح : ويحك ادخل وإن كان معك الشيطان ، فلما دخل قال نوح : اخرج عني يا عدو الله! قال : ما لك بد من أن تحملني معك وكان فيما يزعمون في ظهر الفلك» (٨).
وروي : أن الحية والعقرب أتيا نوحا ، فقالتا احملنا ، فقال : إنكما سبب الضر والبلاء ، قالتا : نحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك ، فمن قرأ حين خاف مضرتهما (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ)(٩) ، ما ضرتاه (١٠) ، ثم قال : يا رب؟ كيف أصنع بالأسد والبقر وبالعناق والذئب وبالحمام والهرة؟ قال نوح : من ألقى بينهم العداوة يؤلف بينهم حتى يتراضوا (١١).
وقيل : كثرت الفأر في السفينة فخافوا على حبالها ، فأوحى الله نوحا أن امسح جبهة الأسد ، فمسحها فعطس ، فخرج منها سنوران ، الذكر والأنثى فأهلكا الفأر ، وكثرت العذرة فيها ، فشكوا إلى نوح ، فأوحى الله إليه أن امسح ذنب الفيل ، فمسحه فخرج منه خنزيران فأكلا العذرة ، فلما غلبهم الماء وعلا دعاهم إلى الركوب في السفينة (١٢).
(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١))
(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) أي في السفينة ، قيل : «ركبوا فيها يوم الجمعة من عين وردة لعشر مضين من رجب ،
__________________
(١) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٠٩.
(٢) عن علي رضي الله عنه ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٢٦ والبغوي ، ٣ / ٢٠٩.
(٣) انظر سورة المؤمنين (٢٣) ، ٢٧. هنا وفي سورة المؤمنين ، م : ـ ب س.
(٤) «من كل» : قرأ حفص بتنوين «كل» ، والباقون بتركه. البدور الزاهرة ، ١٥٤.
(٥) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٢١٠.
(٦) عن قتادة وجريج ومحمد بن القرظي ، انظر البغوي ، ٣ / ٢١٠.
(٧) نقله عن البغوي ، ٣ / ٢١٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٢٧.
(٨) انظر البغوي ، ٣ / ٢١٠ ـ ٢١١.
(٩) الصافات (٣٧) ، ٧٩.
(١٠) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٢١١.
(١١) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ١٢٦.
(١٢) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ١٢٦. وهذه الرواية من الإسرائيليّات على ما أظن.