ولم يرضوا بهذا (١) فقال (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) أي لا تفضحوني (فِي ضَيْفِي) بفعلكم الخبيث ، لأنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزي ذلك ، والضيف مصدر يعم القليل والكثير ، أي في أضيافي (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) [٧٨] أي مرشد صالح أو عاقل يزجركم عن هذا الفعل.
(قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩))
(قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ) يا لوط (ما لَنا) أي ليس لنا (٢)(فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ) أي حاجة ، لأن اتيان الإناث ليس مذهبا (٣) لنا (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) [٧٩] من اتيان الذكور.
(قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢))
(قالَ) لوط (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) أي بطشا بنفسي (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [٨٠] أي أو أنضم إلى عشيرة مانعة أتمنع (٤) بهم ، شبه القوي المانع بركن (٥) الجبل (٦) في الالتجاء به ، قاله تهييجا لناصره لا شكا (٧) منه في عدم ناصره (٨) ، وجواب «لو» محذوف ، أي لفعلت بكم ما علمت أو لقاتلكم ولمنعتكم مما تريدون ، روي : أن لوطا قد أغلق عليه وعلى أضيافه بابه ، فجعلوا يستفتحون الباب وهو يعظهم ويناشدهم (٩) ، فثم (قالُوا) أي الملائكة (يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) أي لن يقدر قومك أن يصيبوك (١٠) بسوء ولن يخزوك فينا وإن ركنك لشديد ، لأن الله ناصرك فخل بيننا وبينهم ، ففتح الباب وأرادوا الدخول فمسح جبريل جناحه على وجوههم ، فذهبت أعينهم فرجعوا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم ، وقالوا : يا لوط جئت بالسحرة حتى طمسوا أعيننا والله لنهلكنك غدا ، فلما سمع لوط تهديدهم إياه خاف ، وقالت الملائكة عند ذلك (فَأَسْرِ) يا لوط ، قرئ بسكون الألف من السير ، وبفتحها (١١) من الإسراء وهو السير بالليل ، أي سر (بِأَهْلِكَ) أي بابنتيك وامرأتك (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي في قطعة (١٢) منه وهي آخر السحر (وَلا يَلْتَفِتْ) أي لا يتخلف (١٣)(مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) بالرفع بدل من «أحد» ، وبالنصب (١٤) استثناء من الأهل (١٥) لا من «أحد» ، لأنه غير فصيح لقوة البدل ، قيل : على قراءة النصب الاستثناء من «أهلك» تناقض في الأخبار ، لأنه يلزم أن يكون امرأة لوط مسراة وغير مسراة لثبوت القراءتين البدل والاستثناء ، أجيب بأن الأمر بالإسراء أمر مربوط بالنهي عن الالتفات بواو العطف الجامع بينهما في سلك واحد ، فالاستثناء إذن واقع عن إسراء مقيد بترك الالتفات ، فهو كقولك يا قوم ائتوني راكبين إلا زيدا فزيد مستثنى عن الاتيان المقيد بالركوب لا عن اتيان مطلق حتى إنه لو أتاك راجلا لا يناقض الاستثناء ، فكذلك امرأة لوط مستثنى من الإسراء المقيد بترك الالتفات لا عن الإسراء المطلق ، فلا يناقض (١٦) الإسراء بالتخلف ، يعني
__________________
(١) لعل المفسر اختصره من الكشاف ، ٣ / ٤٨.
(٢) أي ليس لنا ، س : ـ ب م.
(٣) مذهبا ، ب م : مذهب ، س.
(٤) أتمنع ، ب : أمنع ، س.
(٥) بركن ، ب : بالركن ، س.
(٦) الجبل ، ب : ـ س.
(٧) شكا ، ب : شكاية ، س.
(٨) أتمنع بعن شبه القوي المانع بركن الجبل في الالتجاء قاله تهييجا لناصره لا شكا منه في عدم ناصره ، ب س : ـ م.
(٩) اختصره المصنف من البغوي ، ٣ / ٢٣١.
(١٠) أي لن يقدر قومك أن يصيبوك ، ب س : ـ م.
(١١) «فأسر» : قرأ المدنيان والمكي بهمزة وصل فتسقط في حالة الدرج ، وحينئذ يصير النطق بسين ساكنة بعد الفاء ، والباقون بهمزة قطع مفتوحة بعد الفاء. البدور الزاهرة ، ١٥٧.
(١٢) أي في قطعة ، ب س : أي بقطعة ، م.
(١٣) أي لا يتخلف ، ب س : أي لا تخلف ، م.
(١٤) «إلا امرأتك» : قرأ المكي والبصري برفع التاء ، والباقون بنصبها. البدور الزاهرة ، ١٥٧.
(١٥) الأهل ، ب م : أهل ، س.
(١٦) فلا يناقض ، س م : فلا تناقض ، ب.