لا تسر امرأتك مع أهلك (إِنَّهُ) أي الشأن (١)(مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) من العذاب ، المعنى : أنها لو سرت فتلتفت لتهلك ، قيل : «كان لوط قد أخرجها معه ونهي من تبعه ممن أسرى بهم أن يلتفت سوى زوجته ، فانها لما سمعت صوت العذاب من خلفها التفتت ، وقالت : يا قوماه فأدركها حجر فقتله» (٢) ، وقيل : سار لوط وخلف امرأته مع قومها (٣) ، لأنها كانت منهم ، فقال للملائكة متى وقت هلاكهم؟ فقالوا (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) فقال لوط : أريد أسرع من ذلك ، فقالوا (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) [٨١] فحمل جبرائيل لوطا وابنتيه وماله على جناحه فأوصلهم إلى مدينة ذعر من مدائن لوط الخمسة ، ولم يكن قومها على مثل عملهم الخبيث ، فلما كان وقت الصبح أدخل جبريل جناحه تحت المدائن الأربعة ، فاقتلعها من الماء الأسود ورفعها إلى السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلب وصياح الديكة ، ثم قلبها ، فأخبر تعالى عن ذلك بقوله (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي عذابنا (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) فأقبلت تهوي من السماء إلى الأرض (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) أي على أهلها (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) أي من طين وقيل : (سِجِّيلٍ) كلمة فارسية معربة من سنك وكل (٤) ، وقيل : اسم جبل في السماء (٥)(مَنْضُودٍ) [٨٢] أي متتابع نضد بعضه فوق بعض في السماء معدا للعذاب وهو صفة (سِجِّيلٍ).
(مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣))
(مُسَوَّمَةً) نصب على الحال من الحجارة ، أي معلمة لا تشاكل حجارة الأرض ، وقيل : «مكتوب في كل حجر اسم من يرمي به» (٦)(عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ) أي تلك الحجارة المعلمة عند الله (مِنَ الظَّالِمِينَ) أي من المشركين أو من هذه الأمة (بِبَعِيدٍ) [٨٣] أي بشيء أو بمكان بعيد ، لأنها وإن كانت في السماء إلا أنها تهوي بسرعة للحوق بالمرمى وهو تهديد لأهل مكة وغيرهم لكيلا يعملوا مثل عملهم ، روي : «أن الحجر اتبع شذاذهم ومسافريهم أينما كانوا في البلاد ودخل رجل منهم في الحرم فكان الحجر معلقا في السماء أربعين يوما حتى خرج منه فأصابه فأهلكه» (٧).
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤))
قوله (وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا إلى أهل مدين (أَخاهُمْ شُعَيْباً) نزل إخبارا عن حالهم التي هي التطفيف في الكيل والاكتيال مع شركهم تهديدا لكفار مكة (٨)(قالَ) شعيب (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه وأطيعوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي رب سواه (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) في البيع والشرى (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) أي موسرين في نعمة وخصب (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [٨٤] أي يحيط بكم فيهلككم جميعا ، ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب بها ، لأن «اليوم» إذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل اليوم عليه منه ، قيل : «حذرهم بزوال النعمة وغلاء السعر وحلول النقمة في الدنيا إن لم يتوبوا عن عملهم السوء» (٩) ، وذلك في يوم القيامة (١٠) نهوا أولا عن صريح النقص القبيح تعييرا لهم.
(وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥))
__________________
(١) إنه ، + س.
(٢) نقله عن البغوي ، ٣ / ٢٣٢.
(٣) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٢٣٢.
(٤) عن ابن عباس وسعيد بن جبير ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٣٨ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٣٣.
(٥) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٢٣٣.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٢٣٣.
(٧) نقله عن البغوي ، ٣ / ٢٣٣.
(٨) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٣٩ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٣٤.
(٩) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٣٤.
(١٠) وذلك في يوم القيامة ، ب س : وقيل هو يوم القيامة ، م.