خبر للمبتدأ ، أي مقصوص منا (عَلَيْكَ) بنزول جبريل لتقرأه عليهم دلالة على نبوتك ، ثم استأنف قوله (مِنْها) أي من القرى (قائِمٌ) أي عامر بقيام الحيطان دون أهله (وَحَصِيدٌ) [١٠٠] أي ومنها خراب هالك بهلاك أهله وحيطانه وهو بمعنى المحصود.
(وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١))
(وَما ظَلَمْناهُمْ) أي لم نهلكهم ظلما (وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والمعصية (فَما أَغْنَتْ) أي ما نفعت (عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ) أي يعبدونها (مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي من صرف عذاب الله تعالى عنهم (لَمَّا) أي حين (جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) أي عذابه (وَما زادُوهُمْ) أي ما زادت آلهتهم إياهم بعبادتهم (غَيْرَ تَتْبِيبٍ) [١٠١] أي غير تدمير وإهلاك.
(وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢))
(وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك العقاب (أَخْذُ رَبِّكَ) أي عقوبته (إِذا أَخَذَ الْقُرى) أي عاقبهم (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي والحال أن أهلها جاحدون بتوحيد الله ومختارون الشرك به (إِنَّ أَخْذَهُ) أي عقوبته (أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [١٠٢] أي وجيع صعب على المأخوذ ، وهو تحذير من عاقبة الظلم لكل قرية ظالمة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» (١) ، ثم قرأ (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) الآية.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣))
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في الإخبار عن الأمم الخالية الهالكة بذنوبهم (لَآيَةً) أي لعبرة وعظة (لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) أي لمن أيقنه وأقر به (ذلِكَ) أي يوم القيامة (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) أي يوم يجمع له الأولون والآخرون للحساب والجزاء ، وصف اليوم بلفظ الاسم دون الفعل ليدل على ثبات الجمع في ذلك اليوم وتمكنه البتة (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) [١٠٣] أي يشهدون فيه من أهل السماء والأرض لا يغيب عن أحد منهم ، جعل اليوم مشهودا فيه تهويلا له وتمييزا من بين الأيام كتمييز يوم الجمعة عن أيام الأسبوع بكونه مشهودا فيه دونها.
(وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤))
(وَما نُؤَخِّرُهُ) أي ذلك اليوم ونحن قادرون على أن نقيمه الآن (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) [١٠٤] أي لوقت معلوم محسوب بعد انقضاء الدنيا.
(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥))
(يَوْمَ يَأْتِ) أي ذلك اليوم أو الفاعل الله كما في قوله تعالى (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ)(٢) ، أي أمره ، قرئ باثبات الياء وبحذفها (٣) كما في مصحف عثمان رضي الله عنه ، وهو لغة هزيل ، والعامل في الظرف محذوف ، أي اذكر يوم يأتي هوله وشدائده أو العامل (لا تَكَلَّمُ) أي لا يتكلم لهول ذلك اليوم وشدته (نَفْسٌ) في الشفاعة (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي إلا بأمره تعالى للقيامة مواطن ، ففي بعضها يتكلمون وفي بعضها يمنعون عن التكلم (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ) أي من سبقت له الشقاوة (وَسَعِيدٌ) [١٠٥] أي ومنهم من سبقت له السعادة.
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦))
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) لشركه وإساءته (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) أي الصوت الشديد (وَشَهِيقٌ) [١٠٦] أي
__________________
(١) رواه مسلم ، البر ، ٦٢ ؛ وابن ماجة ، الفتن ، ٢٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٢٤٠.
(٢) النحل (١٦) ، ٣٣.
(٣) «يأت» : أثبت الياء وصلا المدنيان والبصري والكسائي ، وفي الحالين ابن كثير ويعقوب ، وحذفها الباقون في الحالين. البدور الزاهرة ، ١٥٩.