الناس الذين يقصدون من بعيد إلى النبي عليهالسلام ليؤمنوا به ، وهم يمنعونهم بذكر مساويه لهم كساحر وشاعر ومجنون ، فيرجعون إلى بلادهم ، فلما رأى الوافدون المؤمنين ثمه سألوهم عن حال النبي عليهالسلام ووصفه ، فقال المؤمنون إن هؤلاء المشركين كذبوا بل محمد يدعو إلى الحق ويأمر بصلة الرحم وبالمعروف وينهى عن المنكر (١) ، فأخبر تعالى عن قولهم للمؤمنين مدحا بقوله (وَقِيلَ) ، أي وقال الوافدون للمؤمنين الذين يتقون الشرك (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) من الوحي على محمد (قالُوا) أي المؤمنون (خَيْراً) أي أنزل خيرا للناس وهداية لهم من الضلالة ، وإنما نصب الجواب هنا ورفع فيما قبله ليكون فرقا بين جواب المقر وجواب المنكر يجعل الجواب بينا مكشوفا مطابقا على السؤال مفعولا للإنزال بخلاف ما تقدم من المرفوع ، فانه ليس في شيء من الإنزال ، ثم أبدل من «خيرا» قوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي وحدوا الله وأطاعوه (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) أي جنة في الآخرة ، وقيل : «النصرة والفتح» (٢) أو «الرزق الحسن» (٣)(وَلَدارُ الْآخِرَةِ) أي ولدار حال الآخرة (خَيْرٌ) من دار الدنيا (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) [٣٠] أي الخائفين المطيعين الجنة.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١))
ثم وصفها بقوله (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي إقامة (يَدْخُلُونَها) برمة الله (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أي يتمنون من المستلذات (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء (يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) [٣١] أي يثيب الخائفين منه ويطيعونه.
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢))
ثم وصفهم مدحا بقوله (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) حال من ضمير المفعول ، أي طيبة نفوسهم بانتقالهم إلى لقاء ربهم أو طاهرين من الذنوب (يَقُولُونَ) حال من (الْمَلائِكَةُ) ، أي قائلين لهم عند الموت (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) تبليغا من الله أو من نفوسهم ، ويقولون لهم في الآخرة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٣٢] في الدنيا من عمل الخيرات.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣))
ثم قال تعالى استبطاء لإيمان أهل مكة (هَلْ يَنْظُرُونَ) أي ما ينتظرون (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) بالتاء والياء (٤) ، أي ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) أي عذابه كيوم بدر أو عذاب القيامة ، ثم قال تسلية للنبي عليهالسلام من تكذيبهم إياه واستهزائهم به (كَذلِكَ) أي مثل هذا التكذيب (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) برسلهم كما فعل بك قومك من التكذيب والاستهزاء فأهلكهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بإهلاكهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [٣٣] بتكذيبهم رسلهم.
(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤))
(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي جزاء أعمالهم الخبيثة من إنكار البعث واستعجال العذاب استهزاء وتكذيب الرسل وعناد الحق (وَحاقَ) أي ونزل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [٣٤] من العذاب أنه لا ينزل بهم.
(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ
__________________
(١) اختصره المؤلف من السمرقندي ، ٢ / ٢٣٤ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٢٥.
(٢) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٢٥.
(٣) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٤٢٥.
(٤) «أن تأتيهم» : قرأ الأخوان وخلف بالياء التحتية ، والباقون بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ١٧٩.