النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [٣٨] أي لا يصدقون بالبعث بعد الموت.
(لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩))
قوله (لِيُبَيِّنَ) يتعلق بفعل (بَلى) ، أي يبعث الله جميع الخلق يوم القيامة ليكشف (لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من الحق وهو دين الإسلام والبعث الموعود لهم (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) عند خروجهم من قبورهم (أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) [٣٩] في الدنيا بقولهم لا يبعث الله من يموت.
(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠))
قوله (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ) أي قصدنا حدوثه ، مبتدأ ، خبره (أَنْ نَقُولَ لَهُ) أي لذلك الشيء ، والمراد البعث (كُنْ) أي احدث (فَيَكُونُ) [٤٠] بالرفع ، أي فهو يكون ، وبالنصب عطف على «نقول» (١) ، أي فيحدث بسهولة بلا مهلة ف «كان» تامة ، المعنى : أن إيجاد كل مقدور علينا يسير ، فاذا أردنا أن نبعث الموتى فلا تعب علينا في إحيائهم ، لأنه من شق المقدورات.
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١))
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (فِي اللهِ) أي في طاعته (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) أي عذبوا وأوذوا في الله (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) أي لننزلنهم (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي تبوئة جميلة بالمدينة أو المراد المنزلة الحسنة ، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وأنعام الغنيمة عليهم أو التوفيق والهداية ، فهذا ثوابهم في الدنيا.
نزلت الآية في بلال وصهيب وخباب وعمار وعابس وجبير وأبي جندل بن سهيل ، أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم (٢)(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) أي ثوابها (أَكْبَرُ) أي أفضل (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [٤١] أي يصدقون بالثواب المذكور.
(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢))
ثم وصفهم مدحا بقوله (الَّذِينَ صَبَرُوا) أي هم الصابرون في الدنيا على ما فاتهم من مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب ، فكيف بقلب رجل هو مسقط رأسه؟ وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [٤٢] أي يثقون به في الرزق وغيره.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤))
قوله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (إِلَّا رِجالاً) مثلك (نُوحِي إِلَيْهِمْ) كما يوحي إليك ، نزل حين قال قريش : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، لأنه لو أراد إرسال رسول لأرسل إلينا الملائكة الذين عنده (٣) ، ثم قال تعالى إن لم يصدقك قومك فقل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أي أهل التورية والإنجيل ليعلموكم أن الله لم يرسل إلى الأمم المتقدمة إلا بشرا لا ملكا (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [٤٣] ذلك ، قوله (بِالْبَيِّناتِ) يتعلق ب (نُوحِي) أو ب (أَرْسَلْنا) مضمرا ، استئناف كأن قائلا قال بم أرسلوا؟ فأجيب أرسلنا بالبراهين الظاهرة كالمعجزات (وَالزُّبُرِ) أي الكتب النبوية التي تبين الحلال والحرام (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) أي القرآن (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) من الأمر والنهي وغير ذلك من الشرائع (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [٤٤] أي ولكي يتفكروا فيه فيؤمنوا.
__________________
(١) «فيكون» : قرأ الكسائي والشامي بنصب نون «فيكون» ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ١٧٩.
(٢) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٢٨ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٣٥ ؛ والسمرقندي ، ٢ / ٢٣٦.
(٣) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٢٣٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٣٥ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩.