يدبون ، وهو منقول عن أهل التفسير (١) أو بيان لما في الأرض إن لم يقدر ذلك في السماء ، قوله (وَالْمَلائِكَةُ) عطف على (ما فِي السَّماواتِ) مع أنهم من جملة ما فيها تشريفا لهم ورفعا لشأنهم ، وقيل : أراد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ) من الملائكة وما في الأرض من دابة ويسجد الملائكة (٢)(وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) [٤٩] أي لا يتعظون عن السجود لله تعالى.
(يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠))
(يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) أي عاليا عليهم بالاطلاع على حالهم ويقهرهم بالأمر والنهي ف (مِنْ فَوْقِهِمْ) يتعلق ب (رَبَّهُمْ) حالا منه ، ويجوز أن يتعلق ب (يَخافُونَ) ، فمعناه : يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم ، والجملة حال لبيان نفي الاستكبار ، لأن من يخاف الله لا يستكبر عن السجود له (وَيَفْعَلُونَ) أي الملائكة (ما يُؤْمَرُونَ) [٥٠] به ، أي لا يعصون أمره تعالى طرفة عين ، وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون بالأمر والنهي والوعد والوعيد وبأنهم بين الخوف والرجاء كسائر المكلفين.
(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١))
قوله (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) نزل حين وصف طائفة الله باثنين ، أحدهما نفسه والثاني الصنم فنهاهم الله عن ذلك (٣) ، فقال لا تصفوه إلهين اثنين وأكذبهم بقوله (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي ليس هو إلا إله واحد لا اثنان ، وإنما جمع بين العدد والمعدود هنا ، وهو انما يكون فيما وراء الواحد والاثنين لعدم الاحتمال فيهما ، فلا يقال جاءني رجل واحد ولا رجلان اثنان ، وإنما يقال عندي رجال ثلثة أو أربعة ليدل على أن المقصود من المعدود المذكور هو العدد ، فيكون (اثْنَيْنِ) تأكيدا ل (إِلهَيْنِ) ، لأن (إِلهَيْنِ) يدل على شيئين الجنسية والعدد ، والغرض من ذكره بالنهي هو العدد لا الجنسية فشفع بما يؤكده ، ألا ترى أنه لو قال في الكلام الثاني إنما هو إله ولم يؤكده بواحد لم يحسن ، لأنه يخيل المخاطب أنه يثبت الإلهية لا الواحدانية (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [٥١] أي اخشوني ووحدوني ولا تشركوا بي شيئا ، وفيه نقل من الغيبة إلى التكلم ليكون أبلغ في الترهيب من قوله «فاياه فرهبوا».
(وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢))
(وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَالْأَرْضِ) من الجن والإنس وغيرهما ، كلهم عبيده ينقادون له (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أي لله الإسلام أو الطاعة دائما أو واجبا ثابتا ، المعني : أن الطاعة ثابتة تدوم له ، لا يجوز لأحد أن يميل عنها ، والوصب التعب ، ونصبه حال عمل فيه الظرف (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) [٥٢] أي أتعرضون عنه فتعبدون غيره وتطيقون.
(وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣))
قوله (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ) خطاب عام للكفرة لا للمشركين خاصة ، أي والحال أن الذي بكم من غنا وصحة الجسم (فَمِنَ اللهِ) أي من قبله لا من غيره (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) أي الفقر والقحط والمرض (فَإِلَيْهِ) أي فالى الله (تَجْئَرُونَ) [٥٣] أي تتضرعون أو ترفعون أصواتكم بالدعاء والاستغاثة ليكشف عنكم الضر لا إلى غيره لعلمكم أن الغير عاجز عن ذلك.
(ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤))
(ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ) بقولكم ربنا اكشف عنا العذاب أنا مؤمنون (إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ) وهم المنافقون والكافرون (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) [٥٤] بعبادة غيره.
__________________
(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٣٧ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤٣٠ ؛ والكشاف ، ٣ / ١٥٠.
(٢) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨.
(٣) نقله المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٢٣٨.