زين لآدم وحواء أكلها (لِيُبْدِيَ) أي ليظهر (لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) أي ما ستر من عوراتهما ، فان عورتهما لم تكن لترى لهما من قبل هذا ، فلما أذنبا رئيت لهما ليخزيهما (١) ولذلك سميت سؤءة ، وفيه دلالة على أن كشف العورة قبيح في كل زمان ، ولما رأى اللعين نفسه طريدا من الرحمة ورأى آدم الذي حسده ساكنا في الجنة لم يصبر ، فاحتال لإخراجه مع زوجه حواء فأتاهما (وَقالَ) لهما (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) أي عن أكل ثمرها (إِلَّا أَنْ تَكُونا) أي إلا مخافة كونكما (مَلَكَيْنِ) أي كالملكين العالمين بالخير والشر في الجنة (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [٢٠] أي أو مخافة كونكما من الباقين في الجنة لا تموتان أبدا.
(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١))
(وَقاسَمَهُما) أي حلف لهما يمينا موثقة كذبا ، وهي مفاعلة من واحد أو كان منه القسم ومنهما التصديق فكأنها من اثنين (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [٢١] بقسمي إن من أكل منها لم يمت ، فأول من حلف كاذبا هو إبليس عليه اللعنة.
(فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢))
(فَدَلَّاهُما) أي أسقطهما عن منزلتهما (بِغُرُورٍ) أي بخداع منه ، والغرور في الأصل إظهار النصح مع إبطان الغش (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) أي وجد طعمها آدم وحواء بعد الأخذ منها ليتعرفاها (بَدَتْ) أي ظهرت (لَهُما سَوْآتُهُما) أي ظهرت لكل واحد منهما عوراتهما وكانا لا يريان ذلك من أنفسهما ولا أحدهما من صاحبه ، قالت عائشة : «ما رأيت منه ولا رأى مني» (٢) ، أي العورة من النبي عليهالسلام ، قيل : أخذهما العقوبة قبل ابتلاع اللقمة من الحلق وكان لباسهما نورا أو كلباس بني إسرائيل في التيه (٣) ، وهو مثل الظفر فاستحييا فانطلق آدم هاربا فتعلقت به شجرة من شجر الجنة ، فناداه ربه أتفر مني يا آدم؟ قال : رب إني أستحيي (وَطَفِقا) أي أخذا (يَخْصِفانِ) أي يلصقان (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي من ورق تينها ، قيل : «وصلا ورقة بورقة حتى صار كالثوب فاستترا به» (٤)(وَناداهُما رَبُّهُما) أي قال لهما عتابا وتوبيخا (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) أي عن أكل ثمرتها (وَأَقُلْ) أي ألم أقل (لَكُما) نصحا (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) [٢٢] أي بين العداوة ، فيه دلالة على أن الله قد عرفهما قبل ذلك عداوة إبليس لهما وحذرهما من شره.
(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣))
(قالا) أي أدم وحواء معتذرين عن خطيئتهما (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) بترك امتثال أمرك فاغفر لنا ذنوبنا (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (وَتَرْحَمْنا) بقبول عذرنا وتوبتنا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [٢٣] أي المغبونين بالعقوبة مكان المرحمة وقد تقدم أن الله قبل توبتهما حيث قال فتاب عليه فهدى (٥) ، قيل : فيه دليل على أن المذنب إذا أصر على ذنبه يعذبه الله ، وإذا تاب يتجاوز عنه ولما لم يتب إبليس بل سأل النظرة جعل الله مثواه قعر جهنم (٦).
(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤))
ثم (قالَ) تعالى (اهْبِطُوا) أي أنزلوا من الجنة يا آدم وحواء وأبليس (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) الجملة حال من فاعل (اهْبِطُوا) ، أي متعادين ، لأن إبليس يعاديهما وهما يعاديانه (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي منزل قرار (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [٢٤] أي ومعاش إلى وقت الموت.
(قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ
__________________
(١) ليخزيهما ، س : ليحزنهما ، ب ، لنحزنهما ، م.
(٢) انظر الكشاف ، ٢ / ١٠٣.
(٣) اختصره المفسر من البغوي ، ٢ / ٤٦٠.
(٤) عن الزجاج ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٦٠.
(٥) فهدى ، س : ـ ب م.
(٦) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٥٣٥.