(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨))
قوله (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) إخبار عن حال المشركين التابعين لآبائهم الجهلة دون محمد وكتابه ، أي إذا فعل أهل مكة ومن حواليها فعلة فاحشة هي (١) طوافهم عراة بالبيت وطواف رجالهم بالنهار ونسائهم بالليل ، وقيل : هي الشرك ، وكل معصية (٢) ، ثم قيل لهم ملامة لم فعلتم تلك الفاحشة (قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا) تقليدا لهم ثم قالوا افتراء على الله (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) أي بالفاحشة ، وكذبوا في قولهم ، فقال تعالى لنبيه عليهالسلام (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) أي بالمعاصي لاستحالة الأمر بها في حقه لكونه حكيما بالذات (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [٢٨] أي أتكذبون (٣) عليه بما لا تعلمون حقيقته.
(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩))
ثم أمر نبيه أن يبين لهم ما أمره بهم بقوله (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) أي بالعدل وهو التوحيد (وَ) قل لهم (أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي حولوا وجوهكم إلى الكعبة عند كل صلوة (وَادْعُوهُ) أي اعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي العبادة ، لأنكم تموتون وتبعثون وتحاسبون (كَما بَدَأَكُمْ) أي مثل ما أنشأكم حفاة عراة غرلا (تَعُودُونَ) [٢٩] إلى الحيوة بعد الموت ، وهو احتجاج عليهم حيث أنكروا العود إلى الحيوة يوم القيامة.
(فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠))
ثم بين أن الهادي والمضل هو الله تعالى بقوله (فَرِيقاً هَدى) الله بلطفه وهم المؤمنون ، لأنه علم منهم الطاعة فأكرمهم بالمغفرة والتوحيد (وَفَرِيقاً حَقَّ) أي وجب بخذلانه (عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) وهم الكافرون ، لأنه علم منهم العصيان فأهانهم بالشرك والجهالة ، المعنى : أنه هدى فريقا من عباده وخذل فريقا منهم ، لأن من حق عليه الضلالة مخذول (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي من غير الله وأوليائه تعليل لوجوب الضلالة عليهم (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [٣٠] أي يظنون أنهم على الاهتداء ، قيل : «فيه دليل على أن من لا يعلم أنه كافر في حال كفره فهو كافر ، لا يعذره جهله» (٤).
(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١))
قوله (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) نزل حين كانوا يطوفون بالبيت غرلا ليلا ، ويقولون : لا نطوف في ثياب عصينا فيها ويحرمون اللحم والودك واللبن في حجهم (٥) ، فقال تعالى البسوا زينتكم ، أي ما يستر (٦) عوراتكم عند صلوة كل مسجد من البيت ، وإنما أدخل فيه (كُلِّ)(٧) ، لأن كل موضع من البيت مسجد (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) أي وكلوا اللحم والدسم واشربوا اللبن (وَلا تُسْرِفُوا) في شيء ما أو في التحريم ، وقيل : «الإسراف أن يأكل الرجل ما لا يحل أكله أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة» (٨)(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [٣١] بتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه ، قيل : الطب كله في قوله (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)(٩).
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
__________________
(١) هي ، ب س : هو ، م.
(٢) اختصره من البغوي ، ٢ / ٤٦٤.
(٣) أي أتكذبون ، ب : أي تكذبون ، س م.
(٤) عن الزجاج ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٣٧.
(٥) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ١٨٩ ـ ١٩٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٣٨ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٠٥.
(٦) يستر ، ب س : يسترون ، م.
(٧) من البيت وإنما أدخل فيه «كل ، ب س : ـ م.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٥٣٨.
(٩) نقله المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٥٣٨.