خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢))
قوله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) نزل حين عيرهم المشركون طوافهم بالبيت بلبس الثياب بعد نزول قوله (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(١) ، فأمر الله نبيه عليهالسلام بأن يقول للمشركين بالاستفهام الإنكاري على محرم الحلال من حرم زينة الله (٢) ، أي ليس الثياب الذي يستر به العورة ويتجمل به حلالا (الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) أي خلقها لهم (وَالطَّيِّباتِ) أي الحلالات (مِنَ الرِّزْقِ) أي من المآكل والمشارب كاللحم والدسم واللبن وغيرها (قُلْ هِيَ) أي الزينة والطيبات ثابتة (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالاستحقاق ، لأنها خلقت لهم وإن كان الكفار مشتركين فيها معهم في الدنيا ، وهو من قبيل الاكتفاء ، قوله (خالِصَةً) بالرفع خبر بعد خبر ، أي هي مخصوصة للمؤمنين (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف ل (خالِصَةً) ، وهذا يدل على الاشتراك في الدنيا ، وبالنصب (٣) على الحال من الضمير في (لِلَّذِينَ آمَنُوا) الراجع إلى الزينة ، المعنى : أن المؤمن والكافر يشتركان في الزينة والطيبات في الدنيا ، ويختص بهما المؤمن يوم القيامة (كَذلِكَ) أي مثل هذا التبيين (نُفَصِّلُ) أي نبين (الْآياتِ) من الأمر والنهي وما يكون في الدنيا والآخرة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [٣٢] أي يعرفون الله ويفهمون ما أمرهم.
(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣))
ثم قال آمرا لنبيه عليهالسلام مخبرا بما حرم عليهم (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) أي الأشياء التي قبح فحشها ، وأبدل منها (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) وهو الزنا سرا وعلانية ، وقيل : الطواف عريانا ليلا ونهارا (٤) ، وعطف على «ما ظَهَرَ» (وَالْإِثْمَ) أي الذنب كله ، والمراد منه كل ما لا حد فيه ، وقيل : «الإثم الخمر» (٥) كقول الشاعر «شربت الإثم حتى ضل عقلي (٦)(وَالْبَغْيَ) أي الظلم أو الكبر (بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي بغير بيان من الله (وَ) حرم (أَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي كتابا فيه حجة لكم (وَ) حرم (أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [٣٣] أي الافتراء عليه أو التحليل والتحريم اللذين لا يعلمون أنهما منه.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤))
ثم قال تخويفا لهم (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي لكل أهل دين وقت معلوم للعذاب (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) أي قرب مجيء وقت عذابهم (لا يَسْتَأْخِرُونَ) أي لا يمهلون (ساعَةً) بعد الأجل (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [٣٤] أي لا يتقدمون ساعة قبل الأجل ، وقيل : فيه مبالغة لنفي التأخير بتسوية طرفي الزمان اللذين أحدهما ممكن والآخر محال (٧) ، وإنما قيد بالساعة ، لأن الساعة أقل الأزمنة المستعملة في الإمهال.
(يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥))
ثم قال مبشرا ومنذرا لهم (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) «إِمَّا» مركبة من «إن» الشرطية و «ما» الزائدة للتأكيد ، ولذلك يلزم فعلها النون المشددة أو المخففة لزيادة التأكيد ، أي إن يجئكم (رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي من جنسكم (يَقُصُّونَ) أي يقرؤن عارضين (عَلَيْكُمْ آياتِي) أي القرآن لبيان أحكامي ، وجواب الشرط جملة (فَمَنِ اتَّقى) الشرك وتاب عن المعصية (وَأَصْلَحَ) أي زكى (٨) العمل أو أطاع الرسول مني (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلهم
__________________
(١) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٥٣٨.
(٢) زينة الله ، ب م : ـ س.
(٣) «خالصة» : قرأ نافع برفع التاء ، والباقون بنصبها. البدور الزاهرة ، ١١٦.
(٤) لعل المصنف اختصره من البغوي ، ٢ / ٤٦٧.
(٥) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٦٨ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٠٥.
(٦) نقله عن البغوي ، ٢ / ٤٦٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٣٨.
(٧) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٨) زكى ، ب م : أزكى ، س.