اقض بيننا وبينهم بالعدل ليرتفع (١) إشكال أمرنا من البين (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) [٨٩] أي الكاشفين الإشكال بعد الخلق ، لأنك تفعل بالحكمة ، والفتح كشف مغلق الأمور وفصله.
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠))
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) لسفلتهم (٢)(لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) أي والله لئن أطعتم في دينه (إِنَّكُمْ إِذاً) أي حينئذ (لَخاسِرُونَ) [٩٠] أي لمغبونون بترك دينكم ، وهذه الجملة سادة مسد جواب القسم وجواب الشرط ، ولما لم يتعظوا بموعظة شعيب عليهالسلام أخبرهم بأن العذاب نازل بهم ، فلم يصدقوه فخرج شعيب مع المؤمنين من بين أظهرهم.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١))
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الزلزلة عند صيحة جبرائيل وأصابهم حر شديد ، فخرجوا من القرية ودخلوا في غيضة لهم ، وهي الأيكة فأتتهم صاعقة فأحرقت الأشجار ومن فيها من الناس (فَأَصْبَحُوا) أي فصاروا (فِي دارِهِمْ) أي في منازلهم (جاثِمِينَ) [٩١] أي ميتين.
(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢))
ثم أخبر تعالى عنهم فقال تحذيرا لمكذبي الرسل (٣)(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) مبتدأ ، خبره (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا) أي لم يقيموا (فِيهَا) أي في دارهم ، يعني ماتوا كان لم يكونوا فيها قط بعد إهلاكنا إياهم في ظن من رآهم ، وكرر ذكرهم بقوله (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) [٩٢] مبالغة في تحذيرهم من الناس.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣))
(فَتَوَلَّى) أي أعرض شعيب (عَنْهُمْ وَقالَ) موبخا لهم معجزة له (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) أي أوامره ونواهيه (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) بنزول العذاب إن لم تطيعوه فكفرتم بالتكذيب وعذبتم (فَكَيْفَ آسى) أي كيف (٤) أحزن بعد إنذاري ونصيحتي (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) [٩٣] بربي إن عذبوا.
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤))
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ) أي نبيا من الأبياء فكذبوه (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها) أي عاقبناهم (بِالْبَأْساءِ) أي بمصيبة شديدة في أموالهم (وَالضَّرَّاءِ) أي بمصيبة مؤثرة في أنفسهم (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [٩٤] أي لكي يتذللوا ويدعوا ربهم بالخشوع ويؤمنوا برسلنا ويعرفوا ضعف معبوديهم حيث لم ينصروهم من عذاب الله.
(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥))
(ثُمَّ بَدَّلْنا) أي أعطيناهم بالتحويل بعد التضرع (مَكانَ السَّيِّئَةِ) أي مكان ما يسوؤهم كالفقر والقحط والمرض والتعب (الْحَسَنَةَ) أي الغنا والخصب والصحة والراحة (حَتَّى عَفَوْا) أي كثروا عددا وأموالا فسروا به وطغوا (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) أي الشدة مرة والرخاء مرة مثل ما مسنا ، يعني ليس ما أصابنا بابتلاء من الله ، بل هو عادة الدهر (فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب (بَغْتَةً) أي فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [٩٥] بنزول العذاب قبله ، قيل : «أوحى الله لموسى إذا رأيت الفقر مقبلا إليك ، فقل مرحبا بشعار الصالحين ، وإذا رأيت الغنا مقبلا إليك فقل ذنب عجلت عقوبته» (٥).
__________________
(١) ليرتفع ، ب س : لترتفع ، م.
(٢) لسفلتهم ، ب م : أي من سفلتهم ، س.
(٣) تحذيرا لمكذبي الرسل ، ب س : ـ م.
(٤) كيف ، س : ـ ب م.
(٥) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٥٧.