الحق فيها ببعث الرسل وإقامة الشرع لنشر العدل ورفع الظلم (ذلِكُمْ) أي إيفاء الكيل والوزن وترك الفساد في الأرض (خَيْرٌ لَكُمْ) في الدنيا والآخرة (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [٨٥] أي مصدقين بنبوتي وقولي الحق لكم.
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦))
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) من الإيعاد وهو التخويف ، حال من فاعل (وَلا تَقْعُدُوا) ، أي في كل طريق من طرق الناس تخوفونهم بالقتل (وَتَصُدُّونَ) أي تصرفون (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي دينه الإسلام (مَنْ آمَنَ بِهِ) مفعول (تَصُدُّونَ) ، أي من صدق بالله ودينه (وَتَبْغُونَها عِوَجاً) أي وتطلبون طريق الحق أن يكون زيغا غير مستقيم بنهيكم الناس عن الإسلام وقطع الطريق وأخذ الأموال منهم ظلما (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) في العدد (فَكَثَّرَكُمْ) أي كثر عددكم ، لأن مدين تزوج بابنة لوط ، فكثر نسلهما أو كنتم قليل المال فأغناكم بكثرته (وَانْظُرُوا) نظر عبرة (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [٨٦] أي كيف كان (١) آخر أمر من أفسد في الأرض قبلكم ، كذب بالرسل كقوم نوح وعاد وثمود ، فيه إشارة إلى أن الله لا يعذب الكافر بكفره فحسب (٢) حتى يضم إليه ذنبا آخر غيره.
(وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧))
(وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) أي إن كان جماعة آمنوا بي وأنتم تحقرونهم (وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) بي وأنتم تفضلونهم على المؤمنين (فَاصْبِرُوا) أي انتظروا (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) أي يقضي بين المؤمنين بانجائهم والكافرين باهلاكهم فثمه تعلمون من أفضل عاقبة منهما (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) [٨٧] لأنه يحكم بالعدل ودفع الظلم.
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨))
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي أشرافهم الذين تعظموا عن الإيمان بالله (مِنْ قَوْمِهِ) أي من قوم شعيب (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ) أي لتدخل أنت وأتباعك بالإيمان (فِي مِلَّتِنا) أي في ديننا الذي نحن عليه ، والعود الرجوع إلى الحال الأول ، ولم يكن شعيب قط على دينهم ، وإنما تناوله الخطاب تغليبا للجمع الذين دخلوا في الإيمان منهم بعد الكفر على الواحد ، لأن من تبعه كان منهم (قالَ) شعيب (أَوَلَوْ كُنَّا) أي أتعيدوننا (كارِهِينَ) [٨٨] هذه الحالة؟ قالوا : نعم ، فقال شعيب لهم بكلام في معنى التعجب.
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩))
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً) بتصديق دينكم ، أي ما أكذبنا عليه تعالى بقيد الشرط وهو (إِنْ عُدْنا) أي إن رجعنا داخلين (فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) أي بعد إذ أكرمنا الله بالإسلام ، فأنقذنا من ملتكم ، ثم قال مشيرا إلى أن لا حكم له في ذلك (وَما يَكُونُ) أي ما ينبغي (لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) أي في ملتكم (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) أن نعود في ملتكم بخذلانه إيانا ونزع المعرفة عن قلوبنا لا بمشيتكم وإكراهكم أو إلا أن يشاء الله ولا يشاء ، إذ لا يشاء الكفر منا (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي وسع علمه بما يكون منا ومن الخلق كلهم (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) في كل أمر من الخير والشر ، جواب لقولهم (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ) ، ثم قال (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ) أي
__________________
(١) كيف كان ، س : ـ ب م.
(٢) فحسب ، س : حسب ، ب م.