وقع منهم عقيب إنكاره تضجرا منه فكأنه هو الجواب.
(فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣))
ثم قال تعالى (فَأَنْجَيْناهُ) أي لوطا (وَأَهْلَهُ) أي المؤمنين به (إِلَّا امْرَأَتَهُ) وهي واعلة (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) [٨٣] أي الباقين في العذاب ، لأنها والت بهم فهلكت معهم.
(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤))
(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) أي مطر الحجارة ، يقال مطر في الرحمة وأمطر في العذاب ، وقيل : هما واحد (١) ، يعني أنذرهم لوط إنذارا بليغا ، فكفروا به فأهلكوا بغضب الله (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) [٨٤] أي الكافرين بالأنبياء ، روي : «أن تاجرا منهم كان في حرم مكة فوقف له الحجر في السماء أربعين يوما حتى قضى تجارته فيها وخرج من الحرم فوقع ذلك الحجر عليه» (٢) ، قال أبو حنيفة رحمهالله : «إن من عمل عمل قوم لوط يعزر ويحبس حتى يتوب ولا يحد» (٣) ، وقيل : «يلقى من أشرف البناء منكوسا ثم يتبع الحجارة» (٤) ، وقيل : يرجم إن كان محصنا ويجلد إن كان غيره كالزاني (٥) ، وقيل : «يرجم في كل الأحوال» (٦) ، ومن تاب تاب الله عليه.
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥))
(وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا إلى أهل مدين وهو كان اسم ابن إبراهيم خليل الرحمن ، فسميت المدينة باسمه ، روي : أن إبراهيم بعد خروجه من النار تزوج ابنة نمروذ اللعين فتولد منها ، ثم ابنه تزوج ابنة لوط فولدت آل مدين ، فتوالدوا وكثروا وعصوا بالكفر والمعاصي فبعث الله إليهم (٧)(أَخاهُمْ شُعَيْباً) في النسب لا في الدين ، وقيل : في المجانسة (٨) ، لأنهم لم يكونوا قبيلته ، وكانوا يظلمون الناس ، فدعا قومه إلى الله بالتوبة من الكفر والظلم (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه وأطيعوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي معجزة ظاهرة منه تعالى على صدقي ، وبذلك يرد قول من قال لم يكن لشعيب معجزة سوى مجيئه وإخباره بأن الله واحد ، لأنه لا بد لمدعي النبوة من معجزة تشهد على صدقه ، وإلا لم تصح دعواه فلم بقبل بغير آية غير أن معجزته لم تذكر في القرآن ، وذكرها فيه غير لازم كما لم يذكر أكثر معجزات نبينا محمد عليهالسلام فيه ، ومن معجزات شعيب عليهالسلام محاربة العصا التي دفعها إلى موسى لرعي غنمه التنين وقتله حين نام موسى في المرعى وترك الغنم يرعى فيه ولم يكن موسى بعد نبيا ، فقد اشتهر ذلك بين أهل مدين ، فآمن به من آمن منهم ، ومنها ولادة الغنم الدرع خاصة في تلك السنة التي وعده أن يكون له الدرع من أولادها وغير ذلك من الآيات التي ذكرت في التفاسير.
والدرع جمع أدرع ، وهو الشاة التي فيها سواد وبياض ، فقيل : كان أهل مدين باخسين الناس في مبايعاتهم ومكاسين في الثمن والكيل والوزن (٩) ، فقال (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ) أي آلة الكيل ، وهي المكيال ، مصدر سمي به بقرينة قوله (وَالْمِيزانَ) أو المراد فأوفوا الكيل ووزن الميزان أو الميزان بمعنى المصدر كالميعاد بمعنى الوعد ، أي أتموهما كما أمرتم بالعدل (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي لا تنقصوا حقوقهم في البيع والشرى (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي (بَعْدَ إِصْلاحِها) أي بعد إصلاح أهلها ببيان الحق لهم ، يعني بعد أن بين الله
__________________
(١) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٥٣.
(٢) هذا منقول عن الكشاف ، ٢ / ١١٨.
(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٥٥٤.
(٤) عن أبي طالب رضي الله عنه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٥٣.
(٥) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٥٥٣.
(٦) عن الشعبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٥٣.
(٧) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٥٥٤ ـ ٥٥٥.
(٨) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٩) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٥٥.