ذي صوت فتمزقت ، قلوبهم فماتوا كلهم بها (فَأَصْبَحُوا) أي صاروا (فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) [٧٨] أي في منازلهم ميتين قعودا لا يتحركون ، يقال جثم الطائر إذا قعد ، وقيل : أصابهم العذاب بكرة يوم الأحد (١).
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩))
(فَتَوَلَّى) أي أعرض (عَنْهُمْ) صالح بعد هلاكهم وناداهم ميتين متحزنا على ما فاته من إسلامهم وموبخا لهم معجزة له (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي دعوتكم إلى التوبة من الكفر وحذرتكم عذاب الله وغضبه (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [٧٩] أي حكاية حال ماضية ، أي لا تطيعون الداعي إلى الخير ، قيل : ثم خرج صالح بمن آمن به إلى حضرموت ، فمات بها (٢) ، وقيل : «مات بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة» (٣) لما روي إن نبيا من الأنبياء كان إذا هلك قومه جمع المؤمنين به بمكة يعبدون الله حتى يموتوا.
(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠))
(وَلُوطاً) أي وأرسلنا (٤) لوطا وهو ابن تارخ بن أخي إبراهيم عليهماالسلام ، وأبدل منه (٥)(إِذْ قالَ) أي اذكر (٦) وقت قوله (لِقَوْمِهِ) بسدوم في خمس مدائن (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي السيئة القبيحة ، وهي إتيان الذكران (ما سَبَقَكُمْ بِها) أي بعمل الفاحشة (مِنْ أَحَدٍ) «من» زائدة لاستغراق النفي وهو فاعل «سبق» (مِنَ الْعالَمِينَ) [٨٠] «من» فيه للتبعيض ، ومحل الجملة حال أو استئناف للتوبيخ بعد إنكار الفاحشة عليهم ، أي أنتم أول من عملها ، فلا تعملوا ما لم تسبقوا به.
(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١))
(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) بلا استفهام مع كسر «إن» بيان الفاحشة وبهمزتين محققتين الأولى لاستفهام التوبيخ والتهديد ، وبتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، وبهما مع إدخال ألف بينهما ، وبتحقيقهما (٧) كذلك ، و «تأتون» من أتى فلان المرأة إذا جامعها (٨) ، أي إنكم لتجامعون الذكور من جنسكم (٩)(شَهْوَةً) نصبها حال ، أي مشتهين أو مفعول له ، أي للاشتهاء (مِنْ دُونِ النِّساءِ) محله نصب صفة (الرِّجالَ) بحكم زيادة الألف واللام فيه ، أي رجالا هم دون النساء ، أي مغايروها في الشهوة ، لأن محلها النساء بأمر الله تعالى ، وفيه زجر وتجهيل لهم ، فلما لم يزجروا أضرب عنهم بقوله (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [٨١] بالمبالغة في تحصيل اللذات البهيمية بالجهل أو مجاوزون الحلال إلى حرام.
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢))
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) بالنصب خبر (كانَ) ، أي لم يكن جوابهم بعد موعظة لوط إياهم (إِلَّا أَنْ قالُوا) فيما بينهم ، محله رفع اسم «كانَ» (أَخْرِجُوهُمْ) أي لوطا ومن آمن به (مِنْ قَرْيَتِكُمْ) ثم قالوا مستهزئين (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [٨٢] أي يتنزهون من عملنا وهو إتيان الفاحشة ، وهو ليس بجواب عن إنكاره وإنما هو كلام
__________________
(١) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٥٣.
(٢) وهذا منقول عن البغوي ، ٢ / ٥٠٤.
(٣) قال الضحاك نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٥٣.
(٤) وأرسلنا ، م : واذكر ، ب س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٥٣ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٠٥ ؛ والكشاف ، ٢ / ١١٧.
(٥) وأبدل منه ، ب س : ـ م.
(٦) اذكر ، م : ـ ب س.
(٧) «إنكم» : قرأ نافع وأبو جعفر وحفص بهمزة واحدة مكسورة على الخبر ، والباقون بزيادة همزة مفتوحة قبل الهمزة المكسورة علي الاستفهام ، وكل حسب مذهبه في الهمزة الثانية : من تحقيق وتسهيل وإدخال وتركه فابن كثير ورويس يسهلان بلا إدخال ، وأبو جعفر بالتسهيل مع الإدخال وهشام بالتحقيق والإدخال ، وهذا من المواضع السبعة التي يدخل فيها هشام قولا واحدا ، والباقون بالتحقيق بلا إدخال ، وهم : ابن ذكوان وشعبة والأخوان وخلف وروح. البدور الزاهرة ، ١١٩ ـ ١٢٠.
(٨) و «تأتون» من أتى فلان المرأة إذا جامعها ، ب س : ـ م.
(٩) من جنسكم ، ب س : من جنسكم و «تأتون» من أتى فلان المرأة إذا جامعها ، م.