الحجر ، فانها أرض الله والناقة ناقته (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) أي بعقر ولا ضرب (فَيَأْخُذَكُمْ) بالنصب جواب النهي ، يعني إن تمسوها بسوء يأخذكم (عَذابٌ أَلِيمٌ) [٧٣] وهو صيحة جبرائيل أو صاعقة تحرقهم.
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤))
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ) أي بعد هلاكهم ، وذلك أنه لما هلكت عاد جعل الله ثمود خلفاء بعدهم وعمروا القصور ونحتوا البيوت في الجبال ، فأخبرهم بأن الله فعل ذلك بكم (وَبَوَّأَكُمْ) أي أنزلكم (فِي الْأَرْضِ) أي في أرض الحجر (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها) أي من سهولة الأرض (قُصُوراً) بالجص والطين والآجر تسكنون فيها في أيام الصيف (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) حال مقدرة ، يعني تتخذون بيوتا في الجبال أيام الشتاء ، فاعرفوا هذه النعم (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) أي واشكروا نعمة التي عليكم (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [٧٤] أي لا تفسدوا فيها بالمعاصي في مقابلة تلك الآلاء ، فاحفظوا ناقة الله بترك القتل ، وكانت الناقة تضيق على مواشيهم في المأكل والمشرب والمقيل والمسرح لكبر خلقها ، قيل : «كان مبركها ستين ذراعا» (١).
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥))
(قالَ الْمَلَأُ) بغير واو وبواو (٢) ، أي وقال الأشراف (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي تعظموا عن الإيمان بصالح (مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) أي لسفلتهم (لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) بصالح ، بدل من (لِلَّذِينَ) بتكرير العامل ، والضمير في (مِنْهُمْ) للمستضعفين أو لقومه (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) إليكم فآمنتم به (قالُوا) نعم (إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) [٧٥] يعني لا شك عندنا في رسالته إلينا وإليكم لكونها أمرا معلوما مسلما لا كلام فيه لوضوحه ، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركم أنا به مؤمنون ، ولذا لم يقولوا في جوابهم أنه مرسل من ربه.
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧))
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) أي المتكبرون (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) [٧٦] فلما أضرت بهم الناقة ، لأنها تأتي مراعيهم فتنفر منها دوابهم وتأتي العين فتشرب جميع الماء الذي فيها ، جعل صالح الماء قسمة بينهم يوما للناقة ويوما لأهل القرية ومواشيهم بشرط أن لا يحضر أحد منهم العين في يوم الناقة ، فتأتي الناقة وتشرب الماء كله ويحلبونها في ذلك اليوم مقدار ما يكفيهم من لبنها ، فلم يتحملوا تلك القسمة (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي عصوا أمر الله بترك الإيمان بصالح بعد ثبوت الحجة عليهم ، ثم قتلوا ناقة الله التي أمروا بحفظها واقتسموا لحمها ، قيل : قتلها في طريقها متوجهة إلى العين أشقاهم قدار بن سالف ، وإنما جمعوا معه لرضاهم بفعله ، فجاء صالح فرآه الفصيل فبكى ، ثم رغا ثلثا وذهب إلى الجبل قائلا أين أمي أين أمي أين أمي ، فانفجرت الصخرة التي خرجت منها أمه فدخلها وكان يوم الأربعاء ، فقال صالح : يا قوم تعيشون بعد ثلثة أيام بثلث علامات تصفر وجوهكم أول يوم وتحمر في اليوم الثاني وتسود في الثالث ، ويأتيكم العذاب في الرابع وكان كذلك فكذبوه (٣)(وَقالُوا) استهزاء (يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [٧٧] أي رسولا منهم.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨))
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي زلزلة الأرض ، وجاءتهم صيحة من السماء وهي صيحة جبرائيل فيها صوت كل
__________________
(١) عن أبي موسى الأشعري ، انظر الكشاف ، ٢ / ١١٥.
(٢) «قال» : قرأ الشامي بزيادة واو قبل «قال» ، والباقون بغير واو. البدور الزاهرة ، ١١٩.
(٣) أخذه المصنف عن السمرقندي مختصرا ، ١ / ٥٥٢.