جمع إلى بالحركات الثلث للهمزة ، قيل : الآلاء النعم الظاهرة والنعماء النعم الباطنة (١) ، ومنها دفع البلية ، وقيل : كلاهما بمعنى واحد (٢)(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [٦٩] من عذابه.
(قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠))
(قالُوا أَجِئْتَنا) من معبدك الذي اعتزلت به عنا (لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ) مصدر في موضع الحال من «الله» ، أي أتيتنا لتأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نعبد ربا سواه (وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) أي ونترك عبادة آلهتنا التي كان آباؤنا عابديها من قبل ، فقال لهم هود : إن لم تعبدوا الله وحده يأتيكم العذاب وهو الريح العقيم فاستهزؤه ، وقالوا (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [٧٠] في رسالتك.
(قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١))
(قالَ) هود (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ) أي وجب (مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ) أي عذاب (وَغَضَبٌ) أي ومذمة في الدنيا (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ) هي آلهة لأصنامهم (سَمَّيْتُمُوها) لها (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) آلهة ، يعني أتجعلون قولكم وقول آبائكم حجة بأنها آلهة (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي حجة وبيانا فقصدوا بأن يهلكوه ، فقال (فَانْتَظِرُوا) الهلاك بي (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) [٧١] بهلاككم بالعذاب من ربي.
(فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢))
فقال تعالى (فَأَنْجَيْناهُ) أي هودا (وَالَّذِينَ) آمنوا (مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي بنعمة عليهم منا (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي قطعنا آخر المكذبين باستئصالهم (وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) [٧٢] أي وهم كانوا كافرين حال الهلاك والمؤمنون قد نجوا منه ، وفيه تعريض لمن لم يؤمن منهم ، قيل : «أرسل عليهم الريح العقيم التي تحت الأرضين السبع مقدار ما يخرج من حلقة الخاتم فجاءتهم وهربوا منها فدخلوا بيوتهم فأخرجتهم الريح منها وحملت الرجال والدواب كالأوراق في الهواء فأهلكتهم كلهم وأهالت (٣) عليهم الرمال سبع ليالي وثمانية أيام ثم رمت بهم في البحر» (٤).
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣))
ثم قال تعالى (وَإِلى ثَمُودَ) أي أرسلنا إلى ثمود (أَخاهُمْ) في النسب (صالِحاً) نبيا ، وثمود اسم القبيلة لا ينصرف للتعريف والعجمة ، وقيل : هو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح ، وكانت مساكنهم الحجر بين الشام والحجاز إلى وادي القرى ، فخوفهم صالح بعذاب الله سنين كثيرة (٥)(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي علامة لنبوتي ، وهي ما سألتم به من خروج الناقة من هذه الصخرة ، فقال (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) لكي تعتبروا بها فتؤمنوا بربكم ، قيل : دعاهم إلى الله ، وكانوا تسعمائة أو الفا وخمسمائة أهل بيت ، وأنذرهم ليلا ونهارا ، فكذبوه وأرادوا قتله ، فقالوا له إن كنت نبيا فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء حتى نؤمن بك ، فقام صالح فصلى ركعتين ودعا ربه ، فتحركت الصخرة فانشقت عن ناقة عشراء تصوت ، فلم يؤمنوا به فولدت الناقة ولدا ، وكان في القرية تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون فاجتمعوا لقتل الناقة (٦) ، فقال صالح عليهالسلام لا تفعلوا (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) أي دعوها ترعى في أرض
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٢) وهذا منقول عن السمرقندي ، ١ / ٥٥٠.
(٣) وأهالت ، ب : وأمالت ، س م ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٩٥.
(٤) عن السدي ، انظر البغوي ، ٢ / ٤٩٥.
(٥) اختصره المصنف من السمرقندي ، ١ / ٥٥١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٩٦.
(٦) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٥١ ـ ٥٥٢.