ثم قال بالاستفهام الإنكاري حين قال الأشراف للأتباع لا تتبعوه (١) ، لأنه بشر مثلكم (أَوَعَجِبْتُمْ) أي أكذبتم وعجبتم (أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ) أي موعظة (مِنْ رَبِّكُمْ عَلى) لسان (رَجُلٍ مِنْكُمْ) تعرفون نسبه (لِيُنْذِرَكُمْ) بالنار إن لم تؤمنوا (وَلِتَتَّقُوا) أي وليوجد منكم التقوى من الشرك والمعصية (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [٦٣] أي لتغفروا وتنجوا من العذاب بسببها إن تؤمنوا.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤))
(فَكَذَّبُوهُ) أي نوحا (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ) أي الذين (٢) اتبعوه بالإيمان به (فِي الْفُلْكِ) أي في السفينة من الغرق ، وهو متعلق ب (مَعَهُ) ، أي الذين (٣) صحبوه في الفلك (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) [٦٤] عن الحق وعن نزول العذاب ، جمع عم ، أي جاهل أو فاقد البصيرة أو فاقد البصر ، والأصل عمي.
(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥))
قوله (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) عطف على (نُوحاً) ، وكان عاد قبيلة من اليمن ، وقيل : كان في الأصل اسم ملك ينسب القوم إليه (٤) ، أي وأرسلنا إلى عاد الأولى هود بن شالخ بن أرفحشد بن سام بن نوح ، وهو عطف بيان ل (أَخاهُمْ) في النسب لا في الدين ، وكانوا بالأحقاف رمال طويلة بين عمان وحضرموت يعبدون الأصنام فيها ، ويقهرون الناس بالظلم ، فأتاهم هود بالرسالة من الله لأجل التوحيد وترك الظلم ، فذكرهم ووعظهم (قالَ) ولم يقل فقال ، لأنه في تقدير سؤال فما قال لهم هود ، فقيل قال (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي لا رب سواه لكم (أَفَلا تَتَّقُونَ) [٦٥] أي أتشركون فلا تخافون من عذابه بترك الشرك.
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦))
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي من قوم هود (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) أي في جهالة وخفة عقل (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) [٦٦] بأنك رسول من الله.
(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧))
(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ) إليكم (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [٦٧] أي خالقكم ورازقكم وخالق الخلق ورازقهم أجمعين.
(أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩))
(أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) أي أحكامه (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) [٦٨] أي مأمون من الخيانة اليوم كما كنت أمينا لكم قبل هذا اليوم ، فكذبوا هودا فقال (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ) أي بيان ورسالة (مِنْ رَبِّكُمْ عَلى) لسان (رَجُلٍ مِنْكُمْ) تعرفون نسبه وحسبه (لِيُنْذِرَكُمْ) عذاب الله (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ) مفعول به ، أي وقت جعلكم (خُلَفاءَ) جمع خليفة ، أي خلائف في الأرض (مِنْ بَعْدِ) هلاك (قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ) بسطة) أي طولا وقوة ، قيل : «كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا» (٥) ، وكان أقواهم من يضرب برجله الأرض فيغور إلى ركبته ، وقيل : كان قوتهم في المال والعدد والعدد (٦) ، وقال لهم (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) أي اشكروا نعم الله فيكم ،
__________________
(١) لا تتبعوه ، س : لا يتبعوه ، ب م.
(٢) أي الذين ، س : أي ، ب م.
(٣) أي الذين ، س : أي ، ب م.
(٤) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٥٥٠.
(٥) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٥٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٤٩٠ ـ ٤٩١ (عن الكلبي والسدي) ؛ والكشاف ، ٢ / ١١٣ ـ ١١٤.
(٦) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.