رَبِّهِ) أي المكان العذب المنبت اللين من الأرض يخرج نباته حسنا ، فينتفع به كذلك المؤمن اللين القلب إذا سمع الموعظة يدخل في قلبه فينتفع بها (وَالَّذِي خَبُثَ) أي البلد الذي لا ينبت لكونه سبخا إذا أمطر السحاب عليه بالماء العذب (لا يَخْرُجُ) نباته (إِلَّا نَكِداً) أي عسرا بمشقة ، وأصل النكد الضيق والشدة كذلك الكافر القسي القلب إذا سمع الموعظة من القرآن وغيره ، لا يدخل في قلبه لقساوته فلا ينتفع بها بالتوبة والإيمان (كَذلِكَ) أي مثل التصريف ، أي بيان الكلام (نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي نرددها ونبينها (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) [٥٨] أي يعرفون الله ويشكرون نعمته التي هي هذا البيان.
(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩))
ثم هددهم بذكر قصة من كان قبلهم بقوله (لَقَدْ أَرْسَلْنا) وهو جواب قسم محذوف ، أي والله لقد بعثنا (نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) بالرسالة ، وكان ابن خمسين سنة أو مائتين ، ولا يستعمل لام القسم إلا مع «قد» للتوقع تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابه فتكون (١) مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى «قد» عند استماع المخاطب كلمة القسم ، فأتاهم نوح (٢)(فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه وأطيعوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) قاله بيانا لوجه اختصاصه بالعبادة ، أي لا رب سواه لكم بجر «الغير» صفة ل (إِلهٍ) وبرفعه (٣) بدلا من موضع (إِلهٍ) ، لأن (مِنْ) زائدة وهو مرفوع بالابتداء ، ثم قال لبيان الداعي إلى عبادته (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [٥٩] وهو الغرق بالطوفان.
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠))
(قالَ الْمَلَأُ) أي الأشراف (مِنْ قَوْمِهِ) الكفرة (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٦٠] أي في خطأ ظاهر عند العقلاء.
(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١))
(قالَ) نوح (يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) فردهم في الجواب بنفي ما قالوه ، وهو من حسن الأدب في الجواب ، وإنما لم يقل «ضلال» بلا تاء كما قالوا ، لأنه أبلغ في نفي الضلال عن نفسه لكونه مفردا في سياق النفي يفيد العموم ، أي ليس بي شيء من الضلال ، ثم قال (وَلكِنِّي رَسُولٌ) يهدي إلى صراط مستقيم (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [٦١] أي مالكهم ورازقهم.
(أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢))
قوله (أُبَلِّغُكُمْ) بالتخفيف من الإبلاغ وبالتشديد (٤) من التبليغ لمعنى المبالغة ، أي أنهيكم (رِسالاتِ رَبِّي) جملة مبنية لما قبلها ، يعني أوصل إليكم أحكام سيدي من أوامره ونواهيه (وَأَنْصَحُ) أي وأريد (لَكُمْ) بهذه الرسالة الخير ، يقال نصحته ونصحت له ، واللام للمبالغة في النصح ، وهو إرادة الخير لغيرك كما تريد لنفسك ، ثم قال تأكيدا لنصحه (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [٦٢] وهو نزول العذاب بكم إن لم تؤمنوا ، لأن علمه أوجب عليه نصحه.
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣))
__________________
(١) فتكون ، ب : فكانت ، س م.
(٢) فأتاهم نوح ، ب س : ـ م.
(٣) «من إله غيره» : أخفى أبو جعفر التنوين في الغين مع الغنة ، والباقون بالإظهار ، وقرأ أبو جعفر والكسائي بخفض الراء ، والباقون برفعها ، ولا يخفى أنه يلزم من خفض الراء كسر الهاء بعدها ومن رفعها ضم الهاء. البدور الزاهرة ، ١١٨.
(٤) «أبلغكم» : قرأ أبو عمرو باسكان الباء وتخفيف اللام ، والباقون بفتح الباء وتشديد اللام. البدور الزاهرة ، ١١٨.