القتل عليهم فشكت بنوا إسرائيل إلى موسى فثم (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ)(١) بني إسرائيل (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) أي اطلبوا النصرة من الله على أعدائكم (وَاصْبِرُوا) على أذاهم حتى يأتيكم مخرج منه (إِنَّ الْأَرْضَ) أي أرض مصر (لِلَّهِ يُورِثُها) أي يعطيها وينزلها (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بعد إهلاك أعدائه الكافرين (وَالْعاقِبَةُ) أي عاقبة الأمر للخير (لِلْمُتَّقِينَ) [١٢٨] أي للمطيعين مخافة عقاب الله ورجاء ثوابه (٢) أو العاقبة الجنة.
(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩))
(قالُوا) أي قال بنو إسرائيل (أُوذِينا) أي عذبنا (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) بالرسالة (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) باعادة القتل وشدة الاستعباد ، قيل : «إن قوم فرعون كانوا لا يعرفون شيئا من الأعمال وكان بنو إسرائيل حذاقا في الأعمال وكانوا يأمرونهم بالعمل ولا يعطونهم الأجر» (٣) ، فبشرهم موسى بأن العاقبة لهم (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) أي فرعون وقومه (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي يجعلكم سكانها من بعد هلاكهم (فَيَنْظُرَ) ربكم (كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [١٢٩] أي فيبتليكم بهذه النعمة واليسر فيها ، فيظهر عملكم من خير وشر يجازيكم عليه كما ابتلاكم بالشدة والعسر بين أعدائكم قبل الاستخلاف.
(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠))
ثم قال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ) مشيرا إلى أنه ابتلى قوم فرعون بأشياء كثيرة قبل الإهلاك ليتعظوا ويؤمنوا ، فلم يتعظوا بها فأهلكوا ، أي ابتليناهم (بِالسِّنِينَ) أي بقحط سنة بعد سنة ، جمع سنة بالفتح كسرت السين في الجمع ليدل على أنها جمعت على غير قياس ، وأصلها سنوة ، فخففت بالحذف ، من أسنت القوم إذا قحطوا (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) أي بخسرانها وهلاكها ، قال ابن عباس رضي الله عنه : «كانت السنون لباديتهم ونقص الثمرات لأمصارهم» (٤)(لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [١٣٠] أي يتعظون فيؤمنون ، قيل : البلاء يرقق القلوب ويرغب في الآخرة (٥) ، والعجب أن موسى بقي بعد أن غلب السحرة عشرين سنة يريهم المعجزات ، فلم بتعظوا ، وروي : «أن فرعون ملك في ثلثمائة وعشرين سنة من مدة عمره ، وهي أكثر من ستمائة سنة ولم ير مكروها كالصداع وغيره ، فلو رأى فيها شيئا منه لما ادعى الألوهية» (٦).
(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١))
(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) أي الخصب والرخاء والخير (قالُوا لَنا هذِهِ) أي هذه مختصة بنا بالاستحقاق ولم يشكروا الله تعالى عليها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي قحط وشدة وشر (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أي يقولوا (٧) هذا بشؤم موسى وبشؤم من آمن معه ، وإنما قال «إذا» في جانب الحسنة مع التعريف ، و «إن» في جانب السيئة مع تنكيرها ، لأن «إذا» يدخل في متيقن الوجود و «إن» في جائز الوجود وقلته ، والحسنة لكثرة جنسها صارت واجبة الوقوع والسيئة نادرة (٨) ، ولا يقع إلا شيء منها ، ثم قال (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ) أي اعلموا أن الذي أصابهم من الخير والشر لم يكن إلا (عِنْدَ اللهِ) أي من عنده وإرادته بسبب فعلهم الحسن أو فعلهم القبيح (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [١٣١] أنه من عند الله.
__________________
(١) (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) ، ب س : (قالَ) لهم (مُوسى لِقَوْمِهِ) ، م.
(٢) ثوابه ، ب م : لثوابه ، س.
(٣) نقله المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٥٦٣.
(٤) انظر البغوي ، ٢ / ٥٢٦ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٢٨. قال ابن عباس رضي الله عنه السنون لباديتهم ونقص الثمرات لأمصارهم ، ب س : ـ م.
(٥) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٢ / ٥٢٦.
(٦) عن سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٢٦.
(٧) يقولوا ، ب م : يقولوا ، س.
(٨) والسيئة نادرة ، ب س : والسيئة مجهولة لندرتها ، م.