وبهمزتين بينهما ألف ، الأولى في الكل للاستفهام ، وبهمزة واحدة بعدها ألف خبر بمعنى الاستفهام ، وقرئ «فرعون وآمنتم» بواو منقلبة عن همزة بعدها ألف مسهلة (١) فيه استفهام أيضا ، والكل للإنكار ، أي أصدقتم بموسى (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا) أي الذي صنعتموه أنتم وموسى (لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ) أي لحيلة صنعتموه (فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) أي من مصر بسحركم (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [١٢٣] ماذا أصنع بكم أيضا ، وهو وعيد ، أجمله ثم فصله بقوله (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أي من كل شق طرفا ، يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ) أي لأعلقنكم بعد القطع (أَجْمَعِينَ) [١٢٤] على شاطئ نهر مصر عبرة للناس.
(قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥))
(قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) [١٢٥] في الآخرة بالموت والقتل ، فيرحمنا ويثيبنا ، فلا نبالي من فعلك وعذابك ، إذ لا بد من الموت.
(وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦))
ثم قال له توبيخا (وَما تَنْقِمُ مِنَّا) أي وما عذابك لنا بالانتقام (إِلَّا أَنْ آمَنَّا) أي لأن صدقنا (بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا) أي حين ظهرت أنها حق وبه الفخر والحب والفضل عند الله ، ولا ذنب لنا به ، ثم سألوا الله تعالى على يصيبهم منه الصبر لكيلا يرجعوا عن دينهم الحق فقالوا (رَبَّنا أَفْرِغْ) أي أنزل من لدنك (٢)(عَلَيْنا صَبْراً) واسعا يفيض (٣) علينا عند القطع والصلب (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) [١٢٦] أي ثابتين على الإسلام الذي هو دين موسى ، قيل : «قد وقع القطع والصلب عليهم وهم كانوا أول النهار سحرة وصاروا آخر النهار شهداء» (٤) ، وقيل : لم يقع ذلك من فرعون (٥) لقوله تعالى «لا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ» (٦).
(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨))
(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ) أي أتترك (مُوسى وَقَوْمَهُ) الذين آمنوا به وهم السحرة (لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بتغيير دينك في أرض مصر (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) أي ويدعك ويدع أصنامك التي أمرت الناس بعبادتها ، قيل : إن فرعون جعل لقومه أصناما يعبدونها بأمره وكان يقول لهم : هؤلاء أربابكم الصغار وأنا ربكم الأعلى (٧) ، قال ابن عباس : «يعبد فرعون ولا يعبد» (٨)(قالَ) لهم فرعون بغير واو استئناف (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) بالتخفيف والتشديد (٩)(وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) كما كنا فعلنا بهم قبل ، لأنهم قد كانوا تاركين قبل الأبناء فأمرهم أن يرجعوا إليه (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) [١٢٧] أي غالبون ، يعني هم عبيدنا نفعل ما نشاء من القتل وغيره ، فأعيد
__________________
(١) «آمنتم» : أصل هذه الكلمة أأأمنتم بثلاث همزات ، الأولى والثانية مفتوحتان والثالثة ساكنة وقد أجمعوا على إبدال الثالثة حرف مد من جنس حركة ما قبلها فتبدل ألفا. قرأ حفص ورويس باسقاط الأولى وتحقيق الثانية ، وقرأ المدنيان والبزي والبصري والشامي بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، وقرأ قنبل حال وصل «آمنتم» ب «فرعون» قبلها بابدال الأولى واوا خالصة وتسهيل الثانية ، وفي حال البدء ب «آمنتم» يقرأ كالبزي ، وقرأ شعبة والأخوان وخلف وروح بتحقيق الأولى والثانية معا. البدور الزاهرة ، ١٢٢.
(٢) من لدنك ، ب س : ـ م.
(٣) يفيض ، ب م : تفيض ، س.
(٤) قال عبد الله بن عمير نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٦١ ـ ٥٦٢.
(٥) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٥٢٣.
(٦) القصص (٢٨) ، ٣٥.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٦٢.
(٨) انظر السمرقندي ، ١ / ٥٦٢.
(٩) «سنقتل» : قرأ المدنيان والمكي بفتح النون وإسكان القاف وضم التاء بلا تشديد ، والباقون بضم النون وفتح القاف وكسر التاء مشددة. البدور الزاهرة ، ١٢٢.