(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧))
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي بالبعث بعد الموت (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت حسناتهم (هَلْ يُجْزَوْنَ) أي ما يثابون في الآخرة (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [١٤٧] أي إلا جزاء أعمالهم السوء الذي عملوه في الدنيا.
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨))
ثم أخبر تعالى عن ضلالة بني إسرائيل بعد إحسانه تعالى إليهم بالإنجاء من عدوهم واتباعهم بموسى بالإيمان ، وذلك حين وعدهم موسى ثلثين يوما فتأخر عنه بقوله (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد ذهابه إلى المناجاة بالطور (مِنْ حُلِيِّهِمْ) التي استعاروها من نساء القبط بعلة عرس (١) كان لهم ، وجازت الإضافة بأدنى ملابسة ، وهو كونها عواري أو لأنهم (٢) ملكوها بعد المهلكين كما ملكوا غيرها من أملاكهم ، قرئ بضم الحاء ، جمع الحلي كثدي وثدي بالتشديد ، وبكسر الحاء (٣) للاتباع بكسر اللام بمعنى الأول ، وقيل : «اسم المحسن به من الذهب والفضة» (٤) ، وأسند الاتخاذ إليهم وإن كان المتخذ السامري وحده لرضاهم بفعله منها ، فانهم اتخذوه إلها وعبدوه (عِجْلاً جَسَداً) مفعول (اتَّخَذَ) ، و (جَسَداً) بدل منه ، أي جسما ذا لحم ودم (لَهُ خُوارٌ) أي صوت كصوت البقر ، وذلك أن السامري قال لهم : منع الله عنا موسى بما أخذتم من آل فرعون بعلة العرس من الحلي ، لأنه خيانة عظيمة ، فأجمعوا الحلي التي أخذتم منهم حتى نحرقها ، فلعل الله يرد موسى علينا ، فجمعوها ، وكان السامري صائغا ، فجعلها في النار واتخذ منها صورة العجل وقد كان رأى جبرائيل على فرس الحيوة الذي كلما وضع حافره ظهر النبات في موضع حافره ، فأخذ من أثر حافره كفا من التراب ، وألقاه في صورة العجل فصار عجلا جسدا ، فقال (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى)(٥) ، فجعله سفهاؤهم معبودا لهم (٦) ، فعجب الله تعالى بالاستفهام عن عقولهم (٧) السخيفة بقوله (أَلَمْ يَرَوْا) بنظر العقل (٨)(أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) بالأمر والنهي والنصح (وَلا يَهْدِيهِمْ) أي لا يرشدهم (سَبِيلاً) أي طريقا من طرق الفلاح مع دعواهم فيه الألوهية ، فكيف عبدوه وهو أعجز عنهم ، ثم قال تعالى (اتَّخَذُوهُ) إلها وأقدموا على عبادته (وَكانُوا ظالِمِينَ) [١٤٨] أي صاروا ضارين أنفسهم بعبادتهم إياه أو كانوا ظالمين قبل ذلك ، فلم يكن إتخاذ العجل منهم بدعا ولا أول مناكيرهم.
(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩))
ثم أخبر عن ندامتهم على فعلهم القبيح ورحمته عليهم بقوله (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي ندموا على عبادتهم العجل ، يقال سقط في يده إذا ندم ، أصله سقط فوه (٩) على يده ، فهو من باب الكناية ، لأن من اشتد ندمه وحسرته شأنه أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها وفوه ساقطا واقعا عليها ، فالسقوط مستند إلى (فِي أَيْدِيهِمْ) مجازا لغويا (وَرَأَوْا) أي وعلموا (أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) عن الهداية بعابدة العجل (قالُوا) تائبين (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا
__________________
(١) عرس ، ب م : العرس ، س.
(٢) أو لأنهم ، ب س : ولأنهم ، م.
(٣) «حليهم» : قرأ الأخوان بكسر الحاء واللام وتشديد الياء وكسرها ، وقرأ يعقوب بفتح الحاء وإسكان اللام وكسر الياء مخففة ، والباقون بضم الحاء وكسر اللام والياء مشددة. البدور الزاهرة ، ١٢٤.
(٤) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ١٣٦.
(٥) طه (٢٠) ، ٨٨.
(٦) لعل المؤلف نقله عن السمرقندي ، ١ / ٥٧٠. وقد مر ذكره في أثناء تفسير قوله «وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ ...» رقم الآية (٥١) من سورة البقرة.
(٧) عن عقولهم ، م : من عقولهم ، ب س.
(٨) بنظر العقل ، ب س : ـ م.
(٩) فوه ، ب س : وفاه ، م.