رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا) بالياء فيهما ، والفاعل (رَبُّنا) ، وبتاء الخطاب فيهما ونصب (رَبُّنا)(١) نداء ، أي لئن لم يتب الله علينا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [١٤٩] وهذا كلام التائبين كما قال آدم وحواء عند توبتهما.
(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠))
(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) من مناجاته بالطور مع ألواح التورية السبعة (غَضْبانَ) حال ، أي سديد الغضب (أَسِفاً) أي خزينا ، وهو بدل منه (قالَ) لقومه (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي) أي بئس شيئا قمتم به مقامي إشراككم (مِنْ بَعْدِي) أي بعد ذهابي عنكم أو بعد ما رأيتم من توحيد الله ونفي الشركاء عنه وإخلاص العبادة له تعالى ، ففاعل «بئس» مضمر (٢) ، فسره ما بعده ، والمخصوص بالذم محذوف ، يعني بئس خليفة خلفتمونيها خلافتكم بعبادتكم العجل مكان عبادة الله (أَعَجِلْتُمْ) أي أسبقتم (أَمْرَ رَبِّكُمْ) وهو إتياني لكم بالتورية بعد تمام ميعاد ربكم بعبادتكم العجل فاستوجبتم عقوبة ربكم (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) من يده عضبا لدينه ، فتكسرت فرفع الكلمات التي فيها إلى السماء ، وهي ستة أسباع التورية ، وبقي سبعها وهو ما فيه من الهدى (٣) والرحمة من الأحكام ، وقيل : أنمحي وذهب أثر المكتوب منها وهو ما فيه تفصيل كل شيء (٤)(وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) أي بشعر رأسه ولحيته (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) غضبا من تمكينه عبادة العجل لهم على ظن منه أن هرون فرط في الكف عنها (قالَ) له هرون وكان أكبر من موسى بثلث سنين وأحب إلى بني إسرائيل من موسى ، لأنه كان في نفسه حديدا شديد الغضب (٥) ، وهرون ألين جانبا منه رؤفا بهم (ابْنَ أُمَّ) منادى ، حذف حرفه (٦) تخفيفا (٧) بفتح الميم وبكسرها بحذف الياء اكتفاء بالكسرة (٨) ، وأضافه (٩) إلى الأم تذكيرا بحقها ، لأنها قاست المخاوف فيه ، وكان ذلك أعطف لقلبه ، ولأنها كانت مؤمنة فاعتد بنسبتها أو كان أخاه لأمه ، أي يا ابن أمي (١٠) لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي (١١)(إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) أي استذلوني وقهروني ولم آل جهدا في كفهم عنها (وَكادُوا) أي قربوا (١٢)(يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) أي لا تفرح على أصحاب العجل والشياطين باهانتك إياي (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [١٥٠] أي لا تعتقد أني أحد منهم ، فاني بريئ منهم ومن ظلمهم.
(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١))
(قالَ) موسى (رَبِّ اغْفِرْ لِي) بما فعلت لأخي هرون أو بالقائي الألواح من يدي (وَلِأَخِي) أي واغفر له إن كان منه تقصير في دينك (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) أي جنتك (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [١٥١] أي أرحم بنا منا بأنفسنا ، قال بهذا الدعاء ليرضي أخاه ويسيء الشامتين.
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢))
ثم أخبر تعالى عن جزاء متخذي العجل للعبادة بقوله (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) إلها (سَيَنالُهُمْ) أي سيصيبهم
__________________
(١) «يرحمنا ربنا ويغفر لنا» : قرأ الأخوان وخلف بتاء الخطاب في الفعلين ونصب باء «ربنا» ، والباقون بياء الغيبة فيهما ورفع باء «ربنا». البدور الزاهرة ، ١٢٤.
(٢) مضمر ، ب م : ضمير ، س.
(٣) من الهدى ، س : الهدى ، ب م.
(٤) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٥٧١.
(٥) شديد الغضب ، ب س : شديدا الغضب ، م.
(٦) حرفه ، ب م : حرف نداه ، س.
(٧) تخفيفا ، ب س : ـ م.
(٨) «ابن أم» : قرأ ابن عامر وشعبة والأخوان وخلف بكسر الميم ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١٢٤.
(٩) وأضافه ، ب م : وإضافته ، س.
(١٠) أي يا ابن عمي ، ب س : ـ م.
(١١) ولا برأسي ، ب س : ولا برأسي أي يا ابن عمي ، م.
(١٢) أي قربوا ، ب س : ـ م.