العجل (وَإِيَّايَ) عند قتلي القبطي (أَتُهْلِكُنا) أي أتعمنا بالهلاك (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) أي بسبب فعل سفهاء بني إسرائيل ، يعني أنت لا تعذب أحدا بذنب غيره ، فأحياهم الله تعالى (إِنْ هِيَ) أي ليست هذه الفتنة (إِلَّا فِتْنَتُكَ) أي إلا اختبارك ومحبتك حين كلمتني وسمعوا كلامك ، فاستدلوا بالكلام على الرؤية استدلالا فاسدا ، فلذلك اجترؤا على سؤال الرؤية (تُضِلُّ بِها) أي بالفتنة والامتحان (مَنْ تَشاءُ) من الجاهلين الغير الثابتين في معرفتك (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) من العالمين الثابتين بمعرفتك (أَنْتَ وَلِيُّنا) أي ناصرنا أو القائم بأمورنا بالحفظ والإصلاح (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) أي لا تعذبنا بذنوبنا ووفقنا على التوبة منها (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) [١٥٥] أي المتجاوزين عن الذنوب ، لأنك تحب العفو والتجاوز.
(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦))
(وَاكْتُبْ) أي اثبت (لَنا) واقسم (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) أي عافية وحيوة طيبة أو توفيقا في الطاعة (وَفِي الْآخِرَةِ) حسنة ، وهي الجنة (إِنَّا هُدْنا) أي تبنا (إِلَيْكَ) من هاد إذا تاب (قالَ) الله (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) ممن كان أهلا له ، لأني المالك المتصرف (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) أي تبلغ البر والفاجر ، فالرجفة عذابي أصبتها لهم ، لأنهم كانوا أهلا لها وما سألته من الغفران فمن رحمتي ورحمتي واسعة تعم كل شيء ، فغفرت لهم وقبلت توبتهم ، قيل : «لما نزلت الآية قال اللعين أنا داخل في كل شيء» (١) ، فأقنطه الله بقوله (فَسَأَكْتُبُها) أي سأثبتها (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الشرك والمعصية (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) [١٥٦].
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧))
فقالت اليهود والنصارى : نحن آمنا بالآيات ، وهي التورية ونؤتي الزكوة ، فهذه الرحمة لنا ، فأخرجهم الله تعالى بقوله (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ) أي وصفه بالنبوة (مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ) يعني محمد عليهالسلام (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) أي بشرائع الإسلام (وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي عما لا يعرف في شريعة الإسلام (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أي الحلالات التي كانت محرمة عليهم من اللحوم والشحوم وغيرهما (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) أي الأشياء التي خبثت في الحكم كالميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والربا والرشوة وغيرها من المكاسب الخبيثة (وَيَضَعُ) أي يزيل (عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) مفردا ، وآصارهم جمعا (٢) ، أي أثقالهم ، وهي العهود التي بينهم وبين ربهم ، لأن حفظها ثقيل (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) وهي الأمور الشديدة التي كانت عليهم في الشرائع كقتل النفس في التورية في صحة التوبة وقطع الأعضاء الخاطئة وتعين القصاص في القتل عمدا كان أو خطأ وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب وإحراق الغنائم وتحريم العروق في اللحم وتحريم السبت بأن لا يعملوا فيه وغير ذلك من الأعمال الشاقة ، فوضع ذلك كله عنهم (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) أي بمحمد عليهالسلام (وَعَزَّرُوهُ) أي عظموه (وَنَصَرُوهُ) بالسيف على إعلاء كلمة الله ودينه (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أي مع نبوته ، وهو القرآن أو (مَعَهُ) بمعنى عليه ، أي أنزل عليه (٣) أو اتبعوا النور مع اتباع النبي عليهالسلام (أُولئِكَ) أي المؤمنون بمحمد بهذه الصفة (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [١٥٧] من عذاب النار ودخول الجنة برحمته الواسعة كل شيء.
__________________
(١) عن ابن عباس وقتادة ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٥٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٧٣.
(٢) «إصرهم» : قرأ الشامي بفتح الهمزة ومدها وفتح الصاد وإثبات ألف بعدها ، والباقون بكسر الهمزة وإسكان الصاد. البدور الزاهرة ، ١٢٥.
(٣) أو «معه» بمعنى عليه أي أنزل عليه ، ب : أنزل عليه ، م ، أو معه بمعنى عليه ، س.