وذلك إذا استسقاه قومه فيها فضربه (فَانْبَجَسَتْ) أي انفجرت (مِنْهُ) أي من الحجر (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) أي كل سبط (١)(مَشْرَبَهُمْ) أي موضع شربهم من العيون (وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ) يدفع عنهم حر الشمس (وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ) أي الترنجبين كل غداة (وَالسَّلْوى) أي السمانى ، وقلنا لهم (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي من حلالاته ، ولا ترفعوا منه شيئا لغد ، فرفعوا ، فرفع عنهم ذلك ، ولو لم يرفعوا لدام عليهم الإنزال (وَما ظَلَمُونا) أي ما أضرونا (٢) بذلك (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [١٦٠] حيث رفعوا فمنعوا ، ولا بأس باختلاف العبارة والقصة واحدة إذا لم يكن بين العبارتين تناقض.
(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١))
ونصب الظرف بتقدير اذكر في قوله (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) أي بيت المقدس أو أريحا أو قرية قريبة من بيت المقدس (وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) أي بالسعة عليكم لا بالضيق (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي مسألتنا حط ذنوبنا عنا (وَادْخُلُوا الْبابَ) أي باب القرية (سُجَّداً) أي منحنين بالسجود لله تعالى شكرا (نَغْفِرْ لَكُمْ) بالجزم في جواب الأمر مع نون التكلم ، ومع ضم التاء مجهولا لتأنيث (خَطِيئاتِكُمْ) بالجمع المكسر ، جمع خطيئة ، أي فيستر الله لكم ذنوبكم فلا يجازيكم بها ، وبالنون مع الجمع السالم ، وقرئ بضم التاء للتأنيث مجهولا ، و (خَطِيئاتِكُمْ) بالجمع السالم أيضا وخطيئتكم بالإفراد (٣)(سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) [١٦١] أي من أحسن إلى نفسه وغيره بفعله الخير.
(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢))
(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) لطلب التوبة ، وهو حنطة مكان حطة استهزاء (فَأَرْسَلْنا) أي أنزلنا (عَلَيْهِمْ رِجْزاً) أي عذابا وهو الطاعون (مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) [١٦٢] أنفسهم بتبديل أمر الله تعالى واستهزائهم به.
(وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣))
قوله (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) نزل حين قالت اليهود : نحن أبناء إبراهيم ، فلا يعذبنا الله إلا مقدار عبادتنا العجل (٤) ، فأمر الله النبي عليهالسلام بأن يسألهم عن أهل القرية التي كانت ملاصقة البحر من اليهود كيف عذبهم الله (إِذْ يَعْدُونَ) أي يتجاوزون (٥) حدود الله ، يعني وقت عدوانهم (فِي السَّبْتِ) و (إِذْ يَعْدُونَ) بدل من (الْقَرْيَةِ) ، وهو عامل النصب على الظرفية في (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ) أي في يوم السبت ، وهو جمع حوت بمعنى السمك (شُرَّعاً) أي ظاهرة على وجه الماء ، جمع شارع ، ونصبه على الحال من «الحيتان» ، والعامل «تأتي» ، واعتداؤهم وظلمهم فيه أنهم استحلوا الصيد الذي حرم عليهم أخذه فيه ، وهو يوم تعظيمهم أمر السبت باشتغالهم التعبد فيه (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) أي يوم لا يعظمون السبت بالعبادة ، من
__________________
(١) أي كل سبط ، م : أي سبط ، ب س.
(٢) أي ما أضرونا ، س م : أي ما ضرونا ، ب.
(٣) «نغفر لكم خطيئاتكم» : قرأ المدنيان والشامي ويعقوب بالتاء الفوقية المضمومة وفتح الفاء ، وقرأ هؤلاء «خطيئاتكم» بكسر الطاء وبعدها ياء ساكنة ، وبعد الياء همزة مفتوحة ممدودة مع ضم التاء إلا أن الشامي يقصر الهمزة ، وقرأ الباقون «نغفر» بالنون المفتوحة مع كسر الفاء ، و «خطيئاتكم» كقراءة نافع ومن معه ولكنهم يكسرون التاء إلّا عمرو فيقرأ «خطاياكم» بفتح الطاء وألف بعدها وفتح الياء وألف بعدها بوزن قضاياكم. البدور الزاهرة ، ١٢٥.
(٤) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٧٧.
(٥) أي يتجاوزون ، م : يجاوزون ، ب س.